يقول بليخانوف- أحد الفلاسفة الطبيعيين- إن الظاهرة المعروفة, حقيقية كانت أم وهمية, تدهش الإنسان فيحاول أن يفسر لنفسه كيف حصلت, هكذا تنشأ الأساطير. فالأسطورة حكاية تجيب على سؤال: لماذا وكيف هذا؟ إنها أول تعبير عن وعي الإنسان للعلاقة السببية بين الظواهر.
مازالت أساطير فجر التاريخ تمتعنا, ونكاد حتى اليوم نأخذ بتفسيرها لكثير من ظواهر الكون, فقد ترسبت في عمق ضميرنا ولاوعينا الإنساني. مازلنا نردد حكايات جلجامش, وإنكيدو, وعشتار, وفينوس..... مازالت الإلياذة والأوديسة من أهم ما كتبه الإنسان.
الأسطورة حكاية لربط الظاهرة بأسباب نشوئها, ولأن العقل لا يرتاح دون أن يجد هذا الربط, فإنه يركن حيث يهدأ سعيره, لكن عقلنا اتكأ على تفسيرات القدماء لظواهر الكون, وفي كثير من الأحيان أراح نفسه من عناء البحث عن تفسيرات أخرى في ضوء كل ما اكتشفه العلم والعقل.
لماذا نستقيل من صنع أسطورتنا التي تفسر الكون وفق طريقتنا؟
لماذا نبقى ندور في فلك حكايات الآخرين؟
مازالت رموز الأسطورة الإنسانية العتيقة صالحة للإسقاط والاستفادة من محمولاتها الدلالية, لكن هذا يصلح في الأدب, لا في الحياة... نستخدم دلالات الأسطورة القديمة إما لخوفٍ من مباشرة القول, أو لأننا لا نملك حكايتنا الخاصة أو تفسيرنا الخاص.
لماذا استطاعت الأسطورة العيش كل هذا الوقت, وعند كل الشعوب؟
ذاك لأنها تعاملت مع ثيمات إنسانية كونية لاتموت... لأنها طمأنت الإنسان من خوف مواجهة المجهول... كيف ومتى ننتج أسطورتنا التي تقدم إجابات جديدة لطمأنة خوفنا اليوم؟
suzani@aloola.sy