ولم يعد مركز القرارات الدولية في واشنطن والمفوضية الأوربية, بل ظهرت قوى عالمية لها دورها الفعلي والحقيقي في رسم التوجهات المستقبلية العالمية، وهنا تأتي أهمية مشروع البحار الخمسة (الأبيض المتوسط والأسود والاحمر والخليج العربي وقزوين), وتنطلق أهمية المشروع من أنه يضم دولا تعتبر قلب العالم وبوابته ويمهدّ لفضاءات اقتصادية واسعة لأنه يجمع مابين أسيا وأوربا وأفريقيا.
ومن هنا كانت دعوة الرئيس البلغاري والهنغاري والروماني والذين دعوا إلى ضمّ نهر الدانوب إلى هذا المشروع، وفي حال تنفيذ ذلك سيتحسن الواقع الاقتصادي والسياسي العالمي, وسينعكس هذا إيجابا على كل دول العالم بإيجابية وخاصة دول المنطقة وستزداد معدلات النمو الاقتصادي ,ويمكن أن يتطور هذا المشروع كما تطورت مجموعة دول (البر يكس BRICS), وبتعاون دول البحار الخمس ودول البريكس وخاصة أن كثيراَ من الدول هي أعضاء في الفضاءين الاقتصاديين, وعندها ستزداد فعاليتهما وتأثيرهما على الساحة الدولية من خلال تعاونهما المشترك, ولو عدنا إلى نشأة وتطور مجموعة (البريكس) فإننا نرى أنّه أصبح لها كلمتها الفصل في المواقف الدولية، وتزداد قوة من يوم لآخر، وبدأت تخرج عن (عصا الطاعة) و ترفع عصا (الرفض) للإملاءات الغربية من قبل الدول الصناعية التي فوضت نفسها بنفسها زورا وبهتانا لكي تكون بمثابة (شرطي العالم) ضاربة عرض الحائط بمصالح دول العالم والتي يبلغ عددها /187/ دولة، ظهر مصطلح دول (BRICSٍ) منذ عام 2001 واشتق من أوائل الحروف باللغة الانكليزية للدول الأعضاء، وكانت في البداية تضم ثلاث دول وهي (روسيا- الهند- الصين) وعرفت هذه المجموعة باسم (RIC), ثم انضمت البرازيل لاحقا وتحديدا بعد انطلاقة الأزمة الاقتصادية المالية العالمية في 15/9/2008 وأصبحت هذه المجموعة تعرف باسم (BRIC), وفي عام 2011 انضمت دولة (جنوب أفريقيا South Africa) وبالتالي أصبح اسم المجموعة (BRICS), وتأتي أهمية هذا التجمع من خلال :
-أن هذه الدول هي أعضاء في مجلس الأمن، فالصين وروسيا عضوان دائمان أمّا الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا فهي أعضاء غير دائمون بل أعضاء لهم الصفة الدورية ولكنهم يسعون للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، وأعتقد هذا سيتحقق قريبا.
-هذه الدول نقطة انطلاق لتشكيل معالم اقتصاد عالمي جديد ,وخاصة بعد التطور تشكل الاقتصادي والسياسي الكبير الذي حققته ,فقد كانت تشكلّ مثلا من الناتج المحلي العالمي الإجمالي في عام 2000 نسبة 18% وارتفعت هذه النسبة في عام 2010 إلى 27% أي بزيادة قدرها 9% خلال /10/ سنوات، بينما تراجعت حصة الدول الصناعية من 65% إلى 56%، من جرّاء تأثير الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وزادت مستوردات دول (البريكس) من 6% إلى 13% لنفس الفترة الزمنية، وبلغ حجم التبادل التجاري بين هذه الدول لعام 2010 مبلغ/ 230/ مليار دولار، وتخطط هذه الدول حاليا للتوسع الأفقي والتكامل العمودي، وهناك أنباء تؤكدّ عزم عدد من الدول للانضمام إلى هذا التجمع ومنها (اندونيسيا ومصر وغيرهما) ,
- ساهمت دول (البريكس) بنسبة 15% من الناتج المحلي العالمي ,وساهمت مؤخرا في معدل النمو الاقتصادي بنسبة 50% من النمو العالمي المحقق، أي أنها تعتبرحاليا المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي، كما تشكل أيضا من مساحة العالم بحدود /30%/ ونسبة /42%/ من عدد سكانه، وإضافة إلى ذلك فإن الطبقة الوسطى في هذه الدول تشهد نموا كبيرا وهذا يهيئها لتحقيق معدلات نمو اقتصادية عالية مستقبلا.
- تخطط دول (البريكس) للمستقبل وتفعيل دورهم السياسي والاقتصادي بهدف زيادة دورهم السياسي والاقتصادي على الساحة العالمية، وانطلاقا من هذا عقدت دول المجموعة حتى الآن / 3/ اجتماعات أساسية على مستوى القمة، كانت وعلى التتالي في (روسيا عام 2009 – البرازيل عام 2010- الصين بتاريخ 14 نيسان عام 2011)، وكان من أهم ماركزوا عليه في الاجتماع الأخير هو ضرورة تأمين احتياجات دول العالم الثالث وخاصة المتطلبات الصحية و دعم منظمة الصحة العالمية تحت شعار (الصحة للجميع) والعمل لإصلاح آلية عمل المؤسسات الدولية وخاصة صندوق النقد والبنك الدولي وحتى عمل مجلس الأمن ومنظمة المم المتحدة وغيرها.
مما سبق يتبين لنا أن العالم مقسوم حاليا بين تكتلات وأحلاف، ولا وجود عملي لما يدعى زورا وبهتانا (المجتمع الدولي) ,وهنا نطرح السؤال التالي وبكل صراحة أليس من المفيد لنا في سورية الانضمام إلى هذه المجموعة ؟ وخاصة أنه تربطنا بهذه الدول علاقات تاريخية، وفي حال الانضمام ستكون الفوائد أكبر بالنسبة لنا ولهذه الدول، ولاسيما بعد أن أثبتت دول(البريكس) مواقف مشرفة في الأزمة التي يمرّ بها بلدنا الحبيب حاليا، والتي يمكن القول أن هذه المؤامرة بدأت تلملم أذيالها في الداخل والخارج, ولكن هذا يجب أن يدفعنا لإعادة النظر ببنية وهيكلية علاقاتنا الخارجية، لان هذه الأزمة بينت لنا وبكل وضوح وواقعية الصديق من العدو بل عفوا من اللاصديق.