ويستوقفك مشهد المواطن المدفوع بإحساسه الوطني، ليقول ما يعتمل في نفسه، بعدما تأكد أن ذلك التحريض لا يستند إلى الواقع في شيء.. وتمطرك كلماته وحماسته بعشرات الأسئلة.
وتستوقفك مع هذا وذاك.. مشاهد الرغبة في القيام بأدوار أملتها التطورات والأحداث، وفرضتها وقائع عايشها السوريون على مدى الأشهر الماضية.
أحداث الجمعة باتت صورتها محفوظة عن ظهر قلب في أذهان السوريين، كل التفاصيل التي ترد باتت معروفة، وحين تغيب في جزء منها.. بإمكانهم استحضارها والتذكير بها، ليمضي المشهد بالرتم الأسبوعي المعتاد.
لكن عجز قنوات التحريض عن إخراج المشهد عن رتمه هذا الاسبوع، دفع بها نحو تحول يؤشر إلى دورها الأخطر، عبر أمر العمليات للتنظيمات الإرهابية المسلحة بتنويع وسائلها، بعد أن أفلست بالطرق التي اتبعتها على مدى الأشهر الماضية.. وهو مايحدثك عنه المواطن السوري بكل وضوح.. بل يفسر معطياته وأسبابه ودوافعه، ويقرأ نتائجه، وأحياناً يستقرئ منعكساته.
الفارق- اليوم - أن المواطنين هم الذين يبادرون إلى النبش في التفاصيل، وإلى تقليب الصور، من أوجهها المختلفة، لا ينتظرون أحداً ليدحض ما يبثه المحرضون، بل هم من يقدم المعلومة التي تعكس متابعة فعلية لما يبث.. وتدقيقاً في كل ما ينشر.
والفارق أيضاً أن الكذبات الكبرى التي تقترفها قنوات الفتنة باتت فاضحة إلى حدود غير مسبوقة.. ومن السهل دحضها.
لا نبالغ إذا قلنا إن العديد من السوريين العاديين.. باتوا اليوم يحضرون إلى موقع الحدث ليتأكدوا بأنفسهم ، وهي حالة ليست تحولاً نوعياً في أداء المواطن السوري المشغول والمهموم بقضاياه الوطنية فقط، وإنما أيضاً ممارسة لدور باتت الغالبية تؤمن بأهميته.
كثيرون جالوا بسياراتهم يوم تم الادعاء بوجود تجمعات في بعض ساحات دمشق، وكثيرون كانوا يتساءلون عن هذا الكذب الفاضح.. لكنهم وهم مدفوعون برغبة التأكد كانت لديهم دوافع أخرى باتت على المستوى الوطني واقعاً نتلمس نتائجه في هذه المبادرات التي ستشكل عاملاً إضافياً من عوامل الوعي السوري، لمواجهة الكذب الإعلامي والسياسي.
لكن، الأهم -ربما- هو أن الإدراك الذي ينتشر بوتائر متسارعة، يدفع نحو تلمس أدوار جديدة، تأخذ مرتسماتها بالظهور على أرض الواقع.
فلم يعد خبر هذه القناة أو تلك قابلاً للتصديق، ولم يعد الحدث حتى لو تقاطعت معطياته قابلاً للأخذ به، دون فعل مراجعة يؤديها المواطن السوري، بتنوع مستوياته وتدرج اهتماماته..
هذه الحالة التي أنتجت نخباً جديدة دفعت بهذا التحول الذي يتجاوز الأدوار التقليدية، السياسية والإعلامية ليصل إلى إنتاج مهام نوعية تُفسح في المجال أمام بروز مفاهيم مستحدثة تعكس الدور المستجد وتترجمه.
لذلك، لم تعد المهمة الرد والدحض والنفي فقط، إنما هناك دور مستجد يمليه ذلك التحول بكل تبعاته، وبكل ما يتطلبه من يقين بضرورة العمل والمبادرة خارج نطاق المهمة التقليدية التي اعتدنا على ممارستها.
في النقاشات الهادئة منها والصاخبة لم تعد المسألة جدلاً حول أولويات أو قضايا قابلة للتأجيل فحسب، وإنما هي تتعلق بالمعيار الذي نتعاطى به مع الأحداث وتطوراتها.
الإعلام المغرض وفضائيات الفتنة لم تعد شريكاً في الاستهداف فحسب، وإنما باتت العامل الأول فيه، وانتقلت من التجييش والفبركة إلى تحديد للأدوار، وتحريض على الانتقال إلى خيارات أخرى، وكان التشجيع على استخدام السلاح أكثرها حضوراً، وبشكل مباشر..
لم يعد لدينا أوهام بأن قنوات الفتنة باتت جزءاً من العدوان ذاته, وأن مهمة التصدي لهذا العدوان المفتوح تتطلب تحركاً ذاتياً من الجميع, والحاجة الأهم أن نفتح البوابات لهذا التحرك ليأخذ دوره وموقعه وليحدد مسؤولياته جنباً إلى جنب مع الأدوار والمسؤوليات الأخرى الإعلامية والسياسية والاجتماعية.
a-k-67@maktoob.com