والواقع ان التحليل السياسي التاريخي لا بد ان يقف طويلا عند هذا الحراك بوصفه سيشكل بداية نقلة نوعية في مسيرة التطور الاجتماعي للمنطقة العربية، ويفرش لتغييرات جذرية في بنى وهياكل المجتمعات العربية باتجاه الحداثة والمعاصرة اقتصاديا وسياسيا، اذا أتيح له أن يثمر تغييراً خلاقاً ومنتجاً، أو يكون، لا سمح الله، نذير شؤم يرتد بمجتمعاتنا عقودا إلى الوراء.
ومن خلال متابعة التطورات في البلدان العربية التي نجح فيها هذا الحراك في إحداث تغيير على المستوى السياسي، بمعنى تنحي الطاقم الحاكم، فلا بد أن نلاحظ أن المجتمعات هناك بدأت للتو في مناقشة قضايا فكرية وسياسية مطروحة في الساحة الداخلية منذ مطلع القرن الماضي حول علاقة الدين بالدولة ومصادر التشريع وحقوق المرأة ومفاهيم مجردة مثل الحرية والسيادة .. الخ ما يعني أن مثل هذه النقاشات التي كانت تدور سابقا بالفعل، تتخذ اليوم طابعا جديدا وجديا، لأنها لم تعد جدلا نظريا يتبارى فيه المتحازبون، بل طروحات سياسية ذات مضامين اجرائية ساخنة وجاهزة كي تتحول إلى أمر واقع فور التوافق حولها.
إذاً، هذا الفوران في الشارع ، يخفي خلفه اختلافات عميقة حول الرؤى والمفاهيم الخاصة بمجتمع المستقبل قد لا يقل الاحتدام حوله ضراوة عما نشهده اليوم بشأن التغيير السياسي الشكلاني، لأن صراع العقائد أكثر قسوة من الصراع السياسي مهما تلبس الأخير من مظاهر، بما فيها المظهر الأمني، وهو ما يرتب على جميع أهل الحل والعقد وفي المراحل كافة التحلي بالصبر والتسامح والتعقل والاعتدال، بوصف ذلك هو مفتاح النجاح والشرط اللازم لتجنيب المجتمع دفع أثمان غالية لقاء فرص التغيير التي تلوح في الافق .