لم نقف عند ثرثرة « العروش ».. ولا هرطقة «الباب العالي».. فقد افصحت عن نفسها.. عن ادوارها ومخارجها ومنابرها.. وما غاب أو غيبته، سيكون بمسمياته .. دون رتوش..
الحدث السوري يستفيض كل يوم بمزيد من التفاصيل التي تعكس انزياحاً واضحاً يميط اللثام عما أخفته مواقفهم وتعهداتهم.. وتفيض معه خبايا ماحاكته الأروقة والغرف المغلقة التي اعتدنا أن تطالعنا بين الفينة والاخرى بما انطوت عليه.
وعندما نكتشف بعد حين كل تلك الفجائع والدسائس كانت الدهشة في الغالب تعقد لساننا، وإذا لم تفعل يكون الزمن قد مضى، ولا فائدة حتى من العتاب، وحتى مالم يكتشف منها فإن النتائج التي كانت تقود إليها حملت إلينا مفاجآت من العيار الثقيل وكان الخيار الوحيد التعايش مع تداعياتها ومعطياتها وكل ماتحمله.
اليوم..الغرف المغلقة تلك تترك نوافذها وأبوابها مشرّعة للقاصي والداني.. وماكانت تشهده الأروقة بات اليوم على المنابر وعلناً.
كنا نتساءل.. ترى كيف ستكون ردة فعلهم حين نكتشف ذلك.. كم سيشعرون بالخزي والعار مما حاكوه ومادفعوا عليه، وما اتفقوا على تمريره، وكنا نضع السيناريوهات المختلفة لكل تلك الاحتمالات، نتجادل ونتناقش دون أن نستقر على رأي إلى أن تمضي الأيام وتطوي التطورات كل ذلك الجدل والقاع الذي كنا نعتقد أنه الأخير.. نجد أنفسنا في قاع آخر أشد عمقاً مما كنا نعتقده أو نتخيله.
الآن.. لاحياء في الموقف.. ولاخجل في الحديث.. لا لحظة تردد في المضي أبعد مما هو مخطط لهم وأكثر مما هو مطلوب منهم.. وما كان يمرر تحت الطاولة يتم الآن فوقها.. وحين يعجزون عن ايجاد المنبر يسطون عليه عنوة أو اغراءً.. يتقمصون أدواراً تزيد المشهد فجائعية، وكارثية حين يتحدثون بصوت غيرهم.. حين يتباهون بصداقة العدو المحتل.. ويعتبون عليه لأنه لم يضفِ عليهم صداقته!!
بعد عقود من الامعان في شل العمل العربي، وفي رداءة أدائه.. وبعد عقود من المحاولات المستميتة ليبقى الصوت العربي مغيباً ومستبعداً.. يستقوون اليوم به.. يسطون عليه.. يحاولون استجراره إلى حيث يجب ألا يكون.. إلى الموقع الخطأ.. وإلى المكان الخطأ وفي الزمن الخطأ.
محزن أن نرى وضعاً عربياً تقوده أصوات كانت دائماً خارجه.. وكانت دائماً بعيدة عنه.. ومحزن أيضاً أن يقدموا «فاتحهم الجديد» رغم أنه انكشف بكل مافيه من أدوار تمثيلية فجة ومستهلكة، ويعود اليوم للعبها من على منصة الجامعة العربية،ورغم أن احتفاءهم به لم يروِ عطشهم لكلماته التي كانوا يأملون سماعها..!! فالمخزي أن يكون الوضع العربي بهذا السوء.. أن ينحدر وأن يقاد إلى القاع الآخر المنتظر..
هذا ليس رثاءً ولا نعياً للعمل العربي، فنحن ندرك أنها أزمة عارضة ستمر.. وأن الكثير مما كانوا يعملون عليه سيفشل.. لأنهم كما عجزوا في الماضي عن دفنه.. اليوم سيفشلون في جره إلى حيث يريدون.. وإلى حيث هم مأمورون بالسير به.. ربما كان الوقت الأنسب لتسمية الأشياء بمسمياتها.. لنقول بصوت مسموع وواضح.. كفى صخباً وضجيجاً.. نفاقاً وتمثيلاً.. تباكياً وتراكضاً.
وإذا كنا في الماضي نترفع عن الرد، فإننا اليوم مضطرون.. بل واجبنا أن نرد، وأن نحدد نقاطاً باتت واضحة لا لبس فيها..
فالأقنعة سقطت.. ودموع التماسيح باتت مضحكة، والحديث الممجوج عن الحرص على السوريين تنقضه أياديكم الملوثة بدماء السوريين، وهم يقتلون مباشرة أو بالإنابة... في مالكم.. في تحريضكم.. في تجييشكم.. في السلاح الذي يتسلل الى ايدي الارهابيين وفي صوتكم الناطق باسم الأميركيين والإسرائيليين..
a-k-67@maktoob.com