بل ثمناً مسبقاً لحصوله على هذا الكرسي وشرطاً لبقائه فيه.
لم يتفاجأ أحد من السوريين بما ذهب إليه كي مون، لكن جميع السوريين يدركون أنه تطاول غير مقبول، واستطالات في الدور غير مفهومة، وتورّم لا يمكن التعامل معه..
حين حوّل منابر المنظمة الدولية إلى التطاول هنا والمغالطة هناك.. كنا نفهم أسبابها ودواعيها، حتى أن أغلبية السوريين لم ترغب في التعليق عليه، لأنه لا يستحق، أما أن يسحب الأمر على منبر في أرض عربية مجاورة وشقيقة.. ربما الأمر يحتاج لبعض التعليق وكثير من التوقف والتمعّن..
فالسيد كي مون يبدو أن مشكلته أكبر بكثير مما كان متوقعاً وأن أورامه واستطالاته أطاحت بما تبقى من ذاكرته.. وأنه اختار الموقع والاتجاه الخطأ، وفيما كان منتظراً منه أن يدين الاعتداءات الاسرائيلية اليومية على الدولة التي يجول فيها، وأن يتجه نحو الجنوب كي تُسمع كلماته.. أدار ظهره لكل ذلك، واتجه إلى حيث لا يحق له.. ومن غير المسموح به لا الآن.. ولا في أي وقت آخر.
ونعتقد أن لديه من المشكلات ما يكفيه، ويواجه معضلات في مهام قواته كان حريّاً به أن يتفرّغ لمعالجتها، وكان الأجدى له لو تحدث عن المخاطر التي تتعرض لها، والتهديدات الناتجة عن استمرار العدوان الإسرائيلي حيث بلع لسانه حين سُئل عنه.
ما يدركه الجميع أن بان كي مون هو أمين عام للأمم المتحدة، وليس مخولاً لاشخصياً ولا اعتبارياً أن يعطي توصيفات لهذا أو ذاك، يعلنها هنا ويسحبها هناك، وما يدركه الجميع أيضاً أن الأمم المتحدة لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد، ولا يجوز أن تكون طرفاً فيه، بل من الخطأ التورط في هذا الأمر، ويتحمل أمينها العام النتائج التي تترتب عليها.
الواضح أن هذا التورط الجديد يأتي في إطار التصويب الجديد للحملة المركّزة على سورية، وأن أدوار الكومبارس التي أُسندت له أو لغيره، تقتضي منه المبادرة والاضافة هنا أو هناك.. كي يثبت أنه ما زال ممسكاً بهذا الدور، وهي تتماهى مع موجة جديدة من التجييش والتحريض السياسي والإعلامي والدبلوماسي التي تجتاح دولاً وقوى وأطرافاً وصلت في المرحلة الماضية إلى الحائط المسدود.
فالأمين العام للأمم المتحدة لو كان حريصاً على السوريين وعلى ما يواجهونه، كان بمقدوره أن يطّلع على الواقع مباشرة عبر زيارة الأماكن التي يتحدث عنها، وكان باستطاعته أن يشاهد ذلك على الأرض، وليس الاكتفاء بما يرده من أمر العمليات الأميركي.. أو ممرات الحرب الكونية، وكان بامكانه حينها أن يحكم على الأشياء وأن يرى من يقوم بالقتل.. أن يشاهد عمليات التخريب والإرهاب والترويع التي تمارسها التنظيمات الإرهابية المسلحة.. ودوره هو إدانتها.. وإدانة كل من يقف خلفها دعماً ورعاية وتوجيهاً.
ما فات الأمين العام أكثر بكثير مما أدركه.. وما تفوّه به كما رفضه السوريون في الماضي يرفضونه ويستهجنونه، وعلى العكس تماماً مما يتوهم أو يتوقع.. لأنهم وحدهم من يقرر.. وحدهم من يعطي الشرعية.. وكل ماعداهم .. هو تدخل أرعن وموقف أحمق لا يتعاطون معه.
ما عزّ على السوريين أن المنبر في عاصمة عربية.. وبحضور عربي.. وهو أمر بالغ الخطورة.. ومن الصعب عليهم تقبله أو حتى تجاهله..!!
السوريون الذين سبق لهم أن عبّروا عن رفضهم لهذا المنطق.. لهذه الترّهات الصادرة.. يدركون أنها بداية توليفة جديدة وصدى لأمر عمليات جديد يتم التمهيد له بالتوازي في غير مكان.. وموقفهم مما أقدم عليه بالأمس بان كي مون.. وهم في الوقت ذاته كما أحبطوا كل الأوامر السابقة هم حاضرون لافشال الآتي مهما اتسعت دائرته ومهما تعددت أدواته والمتورطون فيه!!.
a-k-67@maktoob.com