وأن يتحلوا بالمنطق في تحليلها ، وأن لا يكونوا سطحيين فإن أحداً يجرؤ على اتهامه بالانحياز أو اتخاذ مواقف مسبقة ، أو الوقوف في طرف في مواجهة طرف آخر.
الشيء الوحيد المطلوب هو أن لا نكون سطحيين في قراءة الأحداث ، وأن نمتلك الحكمة والعقل وأن نعمل على الاحتكام إلى المنطق في تقييم الوقائع والأخطاء ، وأن نميز بدقة بين حجم المخالفات ، فضلاِ عن التمييز ما بين الجنحة والجناية ، وندرك قبل هذا كله محاولات خلط الأوراق التي تضيع معها حدود التفريق ما بين تسلسل الأولويات ..
هذا الأمر هو ما يعكس حالنا على الأرض منذ لحظة انفجار الاحتجاجات في درعا وامتدادها لتطال أكثر من منطقة في سورية، واختلاف أشكال الاحتجاجات هذه ما بين منطقة وأخرى، وهو ما سبب خلطاً أكيداً ما بين المطالب المحقة التي تعترف بها الحكومة ، وتعمل على حلها ، مع وضع كل التشريعات الكفيلة بذلك ، وبين من يريد خراب المجتمع السوري استجابة لمخططات مرسومة استعمارية منذ مئات السنين ، وبين هذين الفريقين يبرز فريق يستغل الاحتجاجات ليزرع الفوضى والدمار نظراً لخروجه عن القانون أصلاً وارتكاب مخالفات وجرائم جنائية وجد الظرف الملائم لنشاطه الهدام .
وفي مواجهة هذا الواقع ذي الرؤى المتداخلة يغيب الدور الأكبر المفترض أن يقوم به المثقفون بكل اتجاهاتهم واختلاف مشاربهم وأهوائهم وفي الوقت الذي يفترض بهم أن يثبتوا حضوراً فاعلاً نجدهم ينأون بأنفسهم عن الانخراط في دائرة الفعل مفضلين الانتظار وترقب النهايات لكي يحددوا على أي أرض يقفون ، فيما يقوم الأدعياء بعمليات تحريض كبيرة مستغلين المنابر الاعلامية الكبيرة التي تتيح لهم مساحات زمنية واسعة لممارسة نشاطهم الهدام دافعين بالكثير من أبناء جلدتهم إلى أتون الموت ،غير عابئين بالنهايات التي تنتظرهم، صحيح أن المثقفين انتهازيون بطبعهم ، لكن خراب البلاد يعلو على كل مكسب مادي ، وهم إن لم ينطقوا بالحق في هذه المرحلة لن يكون أحد بحاجتهم في يوم قادم .
وليس مطلوباً من المثقف أن يمالىء السلطة ولا أن يقلب الحقائق ، ولا أن يسكت على الأخطاء والممارسات غير القانونية، بل المطلوب منه أن يكون صوت الحق الواعي العارف ببواطن الأمور ، والقادر على تحليل الأسباب، المدرك للمخاطر التي تنتظر بلده في حال الانزلاق نحو الدمار والخراب ، فالقصة في بلدنا لا تدخل تحت عنوان الثورة المطلبية ، ولا يمكن أن توصف عمليات القتل والتمثيل والحرق والتخريب في سياق العدالة الاجتماعية المطلوبة ، ولا المطالب السياسية والاجتماعية يمكن أن تكون سبباً لرفض عملية الحوار ورفض الاجراءات الاصلاحية والاستعاضة عنها بالدعوات التحريضية وطلب التدخل الخارجي ، والأمر في نهايته مرتبط بالموقف الوطني والقومي الرافض للسيطرة الأجنبية ومقاومة الاحتلال والحفاظ على كرامة ومقدرات البلاد ، ومن يتابع بوعي وحيادية ما يحصل في مصر وتونس وليبيا يدرك هذه الحقيقة ولكن على من يقرأ داوود مزاميره فالهجمة كبيرة ، والعقل في تغييب ، والحلم تضيع حدوده.