| ســـــــورية الجميلــــــــة.. رسائل الحب الستيني (90) ثقافة أرى الآن على الشاشة منازل كثيرة الأحجار، قليلة النوافذ متجاورة بعشق مبالغ به،تحاصر زواريب لا ينتظم حالها.. قاعدتها أعرض من أسطحتها وجدرانها مندفعة إلى الخارج تهدد من في داخلها ومن في خارجها.. أسطحة من الغضار الأبيض والدنيا شتاء قارس يسبب لها التشقق فلا تعود قادرة على منع الأمطار من التسرّب إلى داخل البيوت نقاطاً من الدلف. هذا المساء الشتوي ككل مساء يتبادلون بعض الحديث من سطح إلى آخر وهم يقومون بدحل غضار السطح لسدّ الشقوق ومنع الدّلف وكل يتدثر بأي أسمال تبعث الدفء.. وتقيهم من البرد الشديد الذي سبق الليل. أقرأ ما كتبت..!! هل وصلت الصورة؟! لماذا هذه الصورة بالذات.. لعله هوى الأمكنة لولا أن العلامة الفارقة لذاك المساء صوت عبد الكريم على سطح بيته ينادي أبو أحمد ضاحكاً.. انظر أخو الـ.«...» وضحكا واحدهما يقول: معتاد على «الفلوغا» في قلب السنّ. يتحدثون عن فلوغا له ترسو على سطح بحيرة السنّ يستخدمها للمزاج مع كأس وبعض من حشائش النهر كمازا... ويهرب إليها من الدرك الذين صنعوا ملحمة بتعقبه ومحاولة مصادرة بارودته التاريخية غير المرخصة وغير القابلة للترخيص بسبب انقراض الصنف. كان أبو ميهوب يمشي في الزاروب المقابل ببنطلون مهترئ فقد لونه وقميص أبيض نصف كم.. وهو يكتب رسالة تحدٍ لكل ما يحيط به.. من البرد القارس.. المساء الشتوي.. المشغولين بدحل أسطحتهم والدنيا كلها.. بنطلون مهترئ وقميص نصف كم.. هل تصنَّع المفارقة المضحكة..؟! حياته كلها مفارقات.. والضحك منه يسعده.. ولم تبدُ عليه يوماً مشاعر أن هذا ضحك عليه ولم يكن كذلك. من يدري لعله ضحك على الجميع.. معرفتي الأكيدة بأنه تعمّد صنع المفارقات سمحت لي أن أروي بعضاً منها.. لم أستأذنه.. لم يكن ممكناً أن أفعل فقد رحل – رحمه الله – وهو لا يدري بنياتي الشريرة تجاه مفارقاته.. بصراحة هذه النيات لم تكن ولدت.. أحببت أن أروي كي أقول من أنا، وكي استجيب لتلك النصيحة على تلك المائدة عند إطلالة من قاسيون.. ولم يكن لي أن أروي وأضرب صفحاً عن أبي ميهوب ومفارقاته التي لو جردته منها لن يبقى منه شيء.. ثم هي له وحقه ولا يجوز لأي في الدنيا أن يختصره كما لا يجوز ذلك تجاه غيره. سألت علا: لو كان لك أن تعدّلني، ماذا ستلغي منّي؟! قال علاء: لن أغيّر فيك شيئاً.. أخاف أن أفقدك كما أنت.. عندما تحدثت ليلى عن ابنها وكان رفيقي سألتها ببراءة: عمّن تتحدثين؟ّ ليس كل ما لا نحبّه بالآخر عيوباً.. وليس من حق أحد يجرده منه.. يا أبا ميهوب: أيها الصعلوك الجبلي.. يا مفارقة بحد ذاتك.. يا صديق ضحكتهم ومؤنس لياليهم بمفارقات حياتك وكلماتك.. تستطيع أن تفعل كل ما فعلوه.. أن تقيم حياتاً كحياتهم.. تفلح الأرض.. تزرعها.. تنتج الثمار.. تعدّ الجوزات والرمانات.. تتزوج وتنجب - وقد فعلت ذلك كله- لكنك نسيت أن تمدح ما فعلت مثلهم.. انشغلت عنه بكأس وحياة.. لم تتعب روحك لتجرد أشجارك وبيتك وأولادك من العيوب، فالصدق أسهل عليك من ذلك.. وكانت تلك المفارقة الأولى في حياة تقوم على الاصطفاء الوهمي والكذب.. ومأساتك أنهم لم يدركوا يوماً أنك الأكثر جدية بينهم.. أيها الصياد الذي جرى طويلاً في البراري والهضاب بين الغابات والوديان والسواقي وراء الحجال والبلابل والدرغل.. قال عنك طائر يروي الحكاية: لم تشهد الطيور قط صياداً أرحم من أبي ميهوب.. كيف..؟! كيف استطعت أن تمزج بين الصيد والرحمة.. بين القتل واللطف.. بين الطائر والبندقية..؟! أليست مفارقة؟! دعهم إذن يضحكون.. وأنت لم تعترض.. دعني إذن أروي.. لكل ما أرويه مفعول رجعي.. حتى هذه إذ أستأذنك كي أفعل بعد أن فعلت؟! سألت: -هل كان ادعاء للغزل أنني قرأت الدنيا بفعل حبي لكِ.. < نصف ادعاء.. -أكمليه.. < بفعل حبك وحبي.. -وأبو ميهوب.. < لا أعرفه.. سمعت به منك.. شعرتك معجباً بشخصيته شبه المتصعلكة.. لكن.. -لكن ماذا؟! -ممكن جداً أن يكون أبو ميهوب الذي رويت عنه غير ذاك الذي عرفته قبلي.. -هل تقرأين ما في داخلي؟! -بل ما في داخلي أنا.. -لم أفهم.. -أيها الراوي كثير الكلام.. لم يعد في حياتي ما لم يتعدل بعد أن أحببتك.. ألم أقل لك.. عندما أحب لا يبقى لديّ مايتعذز على الحبيب. تغيرت الدنيا يا أبا ميهوب.. لم تعد الحجال والبلابل والدرغل ضيوفاً لايستأذنون في أشجار أراضينا وبين أحجارنا.. رؤيتها تسعد من القلة.. وأكل لحمها صعب بل مستحيل.. حتى أنت لو جئت اليوم لعمرتها على علبة مرتديلا.. وجبنة البقرة الضاحكة.. وكارثتك ليست هنا.. بل ربما عليك عملاً بقوانين الندرة والكثرة والعرض والطلب أن تستبدل العرق بالويسكي.. هذه مفارقة أكبر من كل ما فعلت في حياتك.. تسكر بالويسكي والمازة مرتديلا.. صوته يزنّ على أذني.. اسكت أيها الراوي الثرثار... لقد متّ كي لا أرى أو أسمع.. وصُوتكِ يملأ كياني.. < تكلم يا حبيبي فقد عشت لأصنع معك ذاكرة للحب ستروى..... a-abboud@scs-net.org
|
|