تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قصة العرب في أمريكا اللاتينية

محطة
الأثنين 1/12/ 2008 م
د. خلف الجراد

باستثناء معلومات عامة وبسيطة, وما درسناه في المقررات المدرسية بشأن شعراء المهجر وبعض قصائدهم المختارة, فإننا نكاد لا نعرف شيئاً يذكر عن الوجود العربي في بلدان أمريكا اللاتينية, وكيفية توّزع العرب هناك, ومدى فاعليتهم في الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية في تلك القارة.

أحدث عمل أكاديمي صدر في هذا الموضوع (من مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت) كان مؤلَّفاً جماعياً شارك فيه عدد من الباحثين العرب والإسبان والأمريكيين اللاتينيين, بإشراف وترجمة الدكتور عبد الواحد أكمير, تحت عنوان (الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية: دراسة حالات).‏

يقدّم الكتاب بحوثاً معمقة تحلّل خصوصيات الحضور العربي المتميز في بلدان أمريكا اللاتينية, مع التركيز على المكسيك والتشيلي والبرازيل والبيرو والباراغواي والأرجنتين.‏

ويتبين من خلال التتبع التاريخي والسكاني للهجرات العربية إلى قارة أمريكا اللاتينية أن الحضور العربي الأكبر هو في البرازيل والأرجنتين, تليهما التشيلي والمكسيك, أما الأقل فهو في البيرو والباراغواي. وكانت وجهة أغلب المهاجرين السوريين واللبنانيين إلى البرازيل والأرجنتين والباراغواي, بينما تركزت هجرة الفلسطينيين إلى التشيلي والبيرو, في حين أن أغلب المهاجرين إلى المكسيك كانوا من اللبنانيين.‏

تنبع أهمية الكتاب في سعة وشمولية تغطيته للحضور العربي في أمريكا اللاتينية, على امتداد أكثر من مئة وثلاثين عاماً, بدءاً من النصف الثاني من ستينيات القرن التاسع عشر, حيث يدرس أسباب الهجرة العربية, التي حدثت على شكل موجات بشرية ضخمة من أبناء بلاد الشام, وكانت دوافعها الأساسية اقتصادية, وهرباً من حالة البؤس والفقر, والضرائب الظالمة.‏

ومن الأمور التي أثارت انتباه الباحثين, إقبال غالبية المهاجرين على النشاط التجاري, بمن فيهم أولئك المنتمين إلى أصول ريفية والذين كان نشاطهم قبل الهجرة هو الفلاحة.‏

وقد حفل الكتاب بإحصاءات ومقارنات وجداول تابعت انتقال أسر عربية كثيرة من التجارة المتجولة إلى فتح المحلات التجارية الكبيرة, وحتى تأسيس البنوك, إضافة إلى تجارة التصدير والاستيراد والأنشطة الصناعية المميزة, وأهم بروز للصناعيين العرب في البرازيل والتشيلي والأرجنتين.‏

أما بالنسبة إلى مسألة الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة, فإنها لم تكن قضية سهلة, حيث جوبهوا في الخمسين سنة الأولى بالرفض وعدم القبول, بل والازدراء والاحتقار, ولا سيما للباعة المتجولين. لكنهم اندمجوا شيئاً فشيئاً إلى درجة الانصهار والذوبان التامين في ثقافة تلك المجتمعات.‏

ومن الناحية السياسية جاء انخراط الفئات المثقفة منهم في الأحزاب القائمة هناك ليرسخ اندماجهم الاجتماعي, إلى جانب الاشتغال بالوظائف العامة, وانخراطهم في الزواج المختلط, إلى أن بدأنا نشهد تحول عدد منهم إلى زعماء سياسيين: رؤساء جمهوريات, ووزراء, ونواب في البرلمانات.‏

ومن العوامل الأخرى التي ساعدت العرب على الاندماج, خصوصية تميز مجتمعات أمريكا اللاتينية, التي تتمثل في كون معظمها مازالت في طور التشكل, بحيث طبعها مئات آلاف المهاجرين من مختلف الأجناس, وضمنهم العرب, بطابعهم الخاص. وقد دفعت الصورة الإيجابية التي أصبح يتمتع بها العرب بشكل عام, بعض المتحدرين, في سعيهم إلى استعادة هويتهم الثقافية المفقودة, إلى تعلم اللغة العربية أو إلى زيارة وطن الآباء والأجداد. وللغاية نفسها ألّف عدد من المبدعين المتحدرين من أصل عربي أعمالاً أدبية, اتخذت من العربي بطلاً لها.‏

ومما يدلّ على المكانة المحترمة, التي وصل إليها العرب هناك: تأسيس كراسٍ علمية في عدد من جامعات القارة للتعريف بالتاريخ والحضارة العربيين, وتقديم العربي, غالباً بصورة إيجابية, في ابداعات كبار الروائيين الأمريكيين اللاتينيين, الذين تتحول أعمالهم عادة إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية. فعلى سبيل المثال قدمت في شهر أيار/مايو 2006 عددٌ من القنوات التلفزيونية في إسبانيا وأمريكا اللاتينية مسلسلاً مكسيكياً نال شهرة كبيرة, ويحمل عنوان (Los Plateados) وهو لقب إحدى العائلات, يحكي قصة نجاح العرب في التجارة, وطبيعة علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية بالمكسيكيين, وعاداتهم وتقاليدهم...إلخ.‏

وقد عولجت مسألة اندماج العرب في مجتمعات أمريكا اللاتينية, من خلال أعمال أدبية وروائية عديدة, يأتي في مقدمتها روايتا الأديب الكولومبي المعروف جيداً لدى القراء العرب غابريل غارسيا ماركيز, الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1982 (مئة سنة من العزلة) و(قصة موت معلن), ورواية البرازيلي خورخي آمادو (غابريللا: قرفة وقرنفل), ورواية الغواتيمالي ميغيل أنخيل أستورياس, الحاصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1967, وعنوانها (السيد الرئيس), والمجموعة القصصية للكاتبة التشيلية المعروفة إيزابيل الليندي, بعنوان (حكايات إيفا لونا), وغير ذلك من أعمال أدبية وإبداعية.‏

الكتاب يقدم تحليلاً أكاديمياً موضوعياً ودقيقاً لتاريخ العرب وحاضرهم في أمريكا اللاتينية.. قصة رائعة متكاملة من المغامرة والشجاعة والتحدي, والاندماج والنجاح, ما يؤشر إلى قدرات ثقافية وذهنية ونفسية وإنسانية واجتماعية عظيمة..تؤهلهم للفعل والتأثير والتفاعل الحضاري الخلّاق في مجتمعات الاغتراب, وفي العالم أجمع‏

www.khalaf-aljarad.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 د.خلف الجراد
د.خلف الجراد

القراءات: 1863
القراءات: 963
القراءات: 1077
القراءات: 960
القراءات: 1017
القراءات: 984
القراءات: 2049
القراءات: 2912
القراءات: 2099
القراءات: 1273
القراءات: 6488
القراءات: 1479
القراءات: 1206
القراءات: 1280
القراءات: 1128
القراءات: 1426
القراءات: 1288
القراءات: 1100
القراءات: 1141
القراءات: 1294
القراءات: 1238
القراءات: 1093
القراءات: 1244
القراءات: 1255
القراءات: 2506

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية