لم اشعر مرة بالتوقيت الزمني لتعارفنا, فالدكتور عبد العزيز علون, كان يعطي الانطباع بالتوءمة بينه وبين من يحادثه، كما ان هدوءه وفيض اختصاصه في الكتابة عن التشكيل يضعان المرء في عوالم جاذبة تغري بالمزيد من الإنصات والتأمل, باختصار كان أستاذاً لمن يريد التعلم وصديقاً لمن يريد الندّية, وتلميذاً لمن تستحوذ عليهم عقدة الأستذة, وكنت أؤثر على الدوام,منذ عرفته عام 96، البقاء في أفياء الخانة الأولى, فمعها كنت أتشرب الجديد في قراءة التشكيل, وكم كنت أسعد عندما يصفني بالتلميذة النجيبة.
الراحل لم يكن معنياً بالأضواء ولم يكن من أولئك الساعين لاستقطاب الكاميرات والفلاشات, رغم أحقية علمه في الانكشاف على الناس وأصحاب الاختصاص, وهو الذي ماانفك يكتب في التشكيل باللغتين العربية والانكليزية ويوثق لروادها السوريين حتى سمي بعّراب الحركة التشكيلية السورية.
شاءت المقادير أن تنتهي حياة الدكتور علون بعد أقل من شهرين عن آخر كتبه «أعلام النقد الفني في التاريخ» وفي طيات صفحاته تنداح رؤية الدكتور علون في التشكيل وفي الكتابة الفنية حيث إن تاريخ الفن «ليس مجرد استعراض لأسماء وسير الفنانين وأعمالهم، وإنما هو قراءة معمقة في التحولات الفلسفية والجمالية التي تهيئ لإنتاج فني، يستظل بظلها، ويدلل على دورها، ثم يدرس استجابة المجتمعات لهذا الفكر الفني أو ذاك».
أن تختصر تاريخاً بأسطر هو نوع من العبث, ولاسيما إذا كان من تريد الكتابة عنه رجل أطول من قامة وأكبر من عزاء.