فرغم التحليلات والاستنتاجات، وتضارب الآراء والتفسيرات حول المنحى التصاعدي لذلك التطرف وأبعاده وعوامله، ولهذه المبالغة في الانزياح نحو اليمين واليمين التطرف، مقابل عزوف غير مسبوق نحو ما كان يسمى "اليسار" تجاوزا، فإن أحدا لا يستطيع تجاهل واقع العودة تلك، وإرهاصات المربع الإرهابي ذاته الذي انطلق منه المؤسسون الأوائل قبل عقود سبقت الستين تلك.
فمن يجري مقارنة، ولو كانت على عجل بين ما تشهده إسرائيل اليوم وما كان غداة قيام كيانها الإرهابي، لا بد أن يلمس أوجه الشبه الفعلي، وفي المقدمة بالطبع العودة إلى الأسئلة الوجودية الأولى، وربما أيضا المخاوف الأولى ذاتها، والمخاطر نفسها والتي شكلت هاجسا لم تستطع واحد وستون عاما من طمسها أو إلغائها.
وبالتالي المسألة ليست في اقتناص "اليمين" فشل "اليسار"، ولا في التودد إلى المتطرفين الذين هم عمليا غالبية الإسرائيليين، بل هي في سيل الهواجس المتصلة بعوامل عادت إلى البروز كأولوية في أي خطاب إسرائيلي.
الفارق الوحيد من الأقل فشلا في سد الفجوة التي تزداد اتساعا؟ فيما السلام يغيب كليا عن خطاب المتصارعين، ولم يعد المحور الذي يحدد هوية المنتخب، ولا انتماء الناخب، والأولويات التي شكلت على مدى عقدين مفردات الخطاب الانتخابي تتنحى جانبا، وتحل مكانها لغة التطرف دون مقابل يخفف من غلوائها .
عودة تقتضي الكثير من المتغيرات المقابلة، لكنها في الوقت ذاته تعكس هما يؤرق الإسرائيليين، وينبش ما توهموا أنهم طمروه، ويفرد على الطاولة الأوراق دفعة واحدة، لتكشف حجم الضعف الذي عجزت عن إخفائه جبروت القوة وغطرستها.