ولو لمرة واحدة بصوغ استراتيجية من شأنها الإسهام ولو بخطوات بطيئة أو متثاقلة, في وقف زحف هذا الغول على المدن الكبرى مثل دمشق وحلب فقبل أكثر من عامين أقدمت وزارة النقل على خطوة ترمي إلى نقل الآليات العاملة على المازوت إلى القرى النائية أو المحيطة بالمدن. وفي حينه ترك هذا الإجراء الكثير من الأمل كونه سيبدأ من السرافيس التي وصل عددها إلى عشرات الآلاف في مدينة دمشق فقط. غير أنه وبسبب غياب وسائط النقل البديلة عن هذه السرافيس وإمكان حدوث أزمة نقل مشابهة في تفاصيلها لواقع الحال في ثمانينات القرن الماضي. اخطرت الوزارة العدول عن الفكرة والتراجع عنها وحسب بعض المعلومات فإن نسب تلوث هواء مدينة دمشق بغاز ثاني أوكسيد الكربون تجاوزت النورمات العالمية ومثل هذا الكلام ليس فيه ما يشير إلى المبالغة لأن من يراقب سماء عاصمتنا من أعالي قاسيون سوف يرى وبالعين المجردة كيف أن الفضاء تحول إلى غمامة سوداء وبات من المتعذر حتى رؤية المدينة بسبب سحب الدخان التي تكاد تشبه الغيوم الماطرة في فصل الشتاء وأما الأرقام الرسمية الصادرة عن جهات حكومية , فإنها لا تترد في الإعتراف بأن الذين يقضون سنويا بسبب التلوث في مدينة دمشق فقط يصل عددهم إلى أكثر من 5 آلاف فضلا عن الأعداد المضاعفة لاصابات أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو وسواه من الأمراض.
ثمة ضرورة لم تعد تحتمل التأجيل من أجل صوغ سياسة بيئية سليمة واستنفار الجهود من أجل رفع يافطة الهواء النظيف التي سبق وأطلقتها وزارة البيئة سابقا خلال العام 2004 وكذلك يتعين إنعاش قانون البيئة والتذكير به بعد أن ذهب إلى الأدراج وطواه النسيان.. وبلغة أشد وضوحا المطلوب في الوقت الحاضر ليس إصدار القوانين والقرارات فقط.
وإنما لابد من لغة العمل, فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن تنفيذ مشروع متر والأنفاق الذي تعد به الحكومات المتعاقبة منذ نحو نصف قرن هو وحده الذي سيشكل بداية الطريق للوصول إلى الهواء النظيف في مدينة دمشق.. فمتى نبدأ?!