تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قصة الشعر (2) القصيدة الجامعة

معاً على الطريق
الأحد 9/9/2007
برهان بخاري

لو قلت ان العرب لم يكتبوا - خلال تاريخهم الشعري الطويل الذي يمتد قرابة تسعة عشر قرنا - اكثر من الف وخمسمائة قصيدة فما هي يا ترى ردود الافعال حول مثل هذه المقولة? وهل سيتابع احدهم هذه الاطروحة باهتمام وجدية ورصانة ام ان حالة (التطنيش) والصمت المريب ستستمر كالعادة?

قبل الدخول في التفاصيل اكرر ما قلته في مقالي السابق بانه يمكن الجزم بأن عالم الشعر ما قبل استخدام الحاسب هو غيره تماما بعد اقتحام الحاسب لمجاهله.‏

وحقيقية الامر انه بعد ان اظهرت البيانات الحاسبية الدقيقة التي نشرتها في كتابي (مدخل الى الموسوعة الشاملة للشاعر نزار قباني) ان نزاراً هو اكثر من كتب شعرا موزونا ومقفى في تاريخ العربية, بحدود ما تجمع لدينا من شعر حتى الان, فانه كان من المفترض ان تنقلب موازين النقد رأساً على عقب وان يطاح بكثير من النظريات حول تطور الشعر والحداثة وما شابه, وحول التهكم والازراء والازدراء بالشعر الكلاسيكي وبالقصيدة العمودية, لكن المنظرين الجدد مشغولون بتسويق انفسهم وبإثارة الضجة حول ذواتهم المتشرنقة.‏

اظهرت البيانات ان نزارا كتب 17310 ابيات توزعت على احد عشر بحرا على الشكل التالي 122 طويل - 248 بسيط - 685 وافر - 2014 كامل - 5060 رجز - 3127 رمل - 382 سريع - 683 خفيف - 32 مجتث - 3269 متقارب - 1688 متدارك, وان عدد قصائده 766 قصيدة وان الذي يأتي بعده مباشرة هو الشريف الرضي ب 16226 بيتا و 12 بحرا و 685 قصيدة وبعده يأتي البحتري ب 15888 بيتا و 13 بحرا و 933 قصيدة وبعده يأتي ابو العلاء المعري ب 13597 بيتا و 13 بحرا و 1702 قصيدة ... الخ.‏

لكن يبقى الملفت في الموضوع ان نزار قباني الرافض للقصيدة التقليدية كتب على احد عشر بحرا في حين ان الاخطل كتب على تسعة ابحر وجرير كتب على ثمانية والفرزدق كتب على ستة فقط.‏

قامت دار سعاد الصباح مشكورة بتكليفي بالقيام بعملين اكاديميين: الاول عن نزار قباني والثاني عن صاحبة الدار سعاد صباح, حيث ركزت في بحوثي عن نزار على جملة من الاشكالات الشعرية واستعرضت قصة الشعر وتطوره وطرحت العديد من القضايا الجديدة والمستحدثة والمعقدة, اما في كتابي عن سعاد الصباح فقد ركزت علي شىء اسمه المعجم التاريخي للجوازات العروضية, بمعنى استعراض الجواز العروضي لبحر ما مع ذكر اول شاعر كتب عليه اضافة الى عدد الشعراء الذين كتبوا عليه, انتهاء بآخر من كتب عليه.‏

وعلى سبيل المثال فان الجواز العروضي من بحر الخفيف:‏

فعلاتن مستفعلن فعلاتن فعلاتن مفاعلن مفعولن‏

فان اول من كتب عليه هو الحطىئة, وقد كتب على هذا الجواز عشرة شعراء ما مجموعه اربعين بيتا آخرهم نازك الملائكة وسعاد الصباح.‏

اما الجواز فعلاتن مفاعلن فعلاتن فاعلاتن مفاعلن فاعلاتن‏

فان اول من كتب عليه هو المتنبي, وقد كتب عليه 96 شاعرا ما مجموعه 328 بيتا, وكان آخرهم ايضا نازك الملائكة وسعاد الصباح.‏

وتخلص الدراسة المعجمية التاريخية الى ان لبحر الخفيف 63 جوازا حتى الآن, يمكن دراستها بعناية كما يمكن التمحيص فيها لا كتشاف اخطائها من قبل اصحاب الاختصاص حفاظا على سلامة العروض.‏

كان من المفترض ان يشكل هذا الانجاز منعطفا يتوقف عنده الجميع وعلى الاخص اصحاب الاختصاص في الاكاديميات ومراكز البحوث والجامعات والكليات والمنظرون, الذين فلقونا باحاديث تافهة ونافلة حول الشعر وتطوره.‏

نعود الآن الى قصة الالف وخمسمائة قصيدة التي كتب عليها العرب, فاذا كان الشعراء المكثرون الاربعة الذين ذكرتهم ... نزار قباني .. الشريف الرضي ... البحتري .. المعري كتبوا 4086 قصيدة فكيف يمكن للعرب باجمعهم ان يكتبوا شعرهم على 1500 قصيدة على ابعد حد?‏

نبدأ اولا بتعريف القصيدة من الناحية العروضية, فالقصيدة هي مجموعة من الابيات تلتزم العناصر التالية:‏

1 - البحر. 2 - القافية. 3 - الحركة. 4 - الروي.‏

تبقى العناصر الثلاثة الاولى معروفة آما العنصر الرابع فظل ملتبسا عند جميع من عمل في علم العروض حتى يومنا هذا.‏

وطالما ان عدد كل من هذه العناصر الاربعة محدد فان عدد القصائد يمكن احصاؤه بشكل رياضي, ولقد اجرينا تجارب حاسبية مرحلية وطارئة على عشرات من فحول الشعراء اثبتت انهم لم يكتبوا على اكثر من 280 قصيدة على بحر الطويل مع ان قصائدهم نافت على عشرة الاف قصيدة, ودفعا لاي التباس فقد اطلقنا على كل قصيدة تتفرد باي من العناصر الاربعة مصطلح القصيدة الجامعة.‏

كنت ,منذ يفاعتي المعرفية والثقافية والشعرية معجبا ببيت المتنبي الشهير:‏

كفى بك داء ان ترى الموت شافيا وحسب المنايا ان يكن امانيا‏

وكنت اعتبر هذا البيت نوعا من الاعجاز الشعري ليس في اطار الشعر العربي فقط بل في الاطار الشامل للشعر العالمي.‏

والآن وبعد ان اسسنا حاسبيا لنظرية مفهوم القصيدة الجامعة دعونا ننظر الى هذا البيت من ضمن هذا المفهوم للقصيدة الجامعة.‏

القصيدة الجامعة لهذا البيت تتألف من قرابة الف بيت من الشعر لأربعين شاعرا, ومن الصعب طبعا استعراض هذه القصيدة الجامعة, لكنني سأكتفي بعرض قافية اماني كمثال على مفهوم القصيدة الجامعة.‏

قال الفرزدق:‏

وجاؤوا بمثل الشاء غلفا فلولهم وقد منيناهم بالضلال الامانيا‏

وقيلي لاصحابي ألما تنينوا هوى النفس قد يبدو لكم من امانيا‏

الفتك اني لقيتك سالما فتلك التي انهي اليها الامانيا‏

وقال جرير:‏

فقد خفت الا تجمع الدار بيننا ولا الدهر الا ان تجد الامانيا‏

تراغيتم يوم الزبير كأنكم ضباع بذي قار تمنى الامانيا‏

وقال الاخطل:‏

نسخت بيربوع لتدرك دارما ضلالا لمن مناك تلك الامانيا‏

وقال ابو تمام:‏

اقول لنفسي حين مالت بصوغها الى خطرات قد نتجن امانيا‏

هبني من الدنيا ظفرت بكل ما تمنيت أو أعطيت فوق امانيا‏

وقال المتنبي:‏

كفا بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا ان يكن امانيا‏

وقال الشريق الرضي:‏

تلبون رأسي والرجاء بحاله وفي كل حال لا تغب الامانيا‏

واعلم ان ليس البكاء بنافع عليك ولكني امني الامانيا‏

وان أمير المؤمنين لحابس ركابي ان ارمي بها ما امانيا‏

وقال احمد شوقي:‏

قتلنا ومنينا قتيل بألسن من السحر يبدين المنايا امانيا‏

وقال ايليا ابو ماضي:‏

الا ليت قلبا بين جنبي داميا اصاب سلوا او اصاب الامانيا‏

ويا طالما بتنا ولا ثالث لنا سوى الراح ندنينا فتدنى الامانيا‏

اعرف اني اسرفت في ذكر الشواهد لكن مفهوم القصيدة الجامعة بحاجة الى تأسيس متين لانه لابد من التأسيس للشعر ما بعد الحاسب.‏

فالقصيدة الجامعة ستحل مجموعة من المشاكل المعقدة منها القصيدة المتكررة داخل الديوان الواحد بسبب الهزال في مفهوم القصيدة الجامعة, فديوان الفرزدق طبعة صادر في لبنان يعج بالقصائد المتكررة منها على سبيل المثال وليس الحصر القصيدتان 117 و 159 والقصيدتان 394 و 436 والقصيدتان 96 و 167 والقصيدتان 506 و 523 وهذا ينسحب على ما يحصى من الدواوين المتهالكة التي اقضت مضاجع اجيالنا.‏

وحقيقة الامر انني لم اخف مطلقا نواياي فانا اسعى جاهدا وبشكل علني وصريح الى القضاء على المناهج المتحجرة والسقيمة للنحو والعروض والبلاغة والحديث النبوي الشريف, التي اقضت مضاجع اطفالنا وشبابنا ورجالنا فلم يعد مقبولا تحت اي ظرف من الظروف ان تكون اللغة العربية سيفا مسلطا على رقاب ابنائها بفعل مجموعة من الجهلة او المتخلفين او المرتزقة او المنتفعين.‏

لن استفيض في ذكر امور لا تفيد القارئ العزيز, لكن ثمة اموراً لابد من التطرق اليها, فحين وقعّت مع المجمع الثقافي في ابو ظبي عقدا قبل عشر سنوات بتطوير برنامج الشعر بنسبة خمسين بالمائة لكل طرف لم يكن يخطر ببالي الجانب المالي لكنني كنت اشعر ان التسهيلات المالية كانت مفيدة لاطلاق المشروع الى ابعد امدائه وخاصة ان الدكتور بشار الأسد آنذاك كان متحمساً بشكل شديد جدا لهذه الخطوة من ضمن اطار قومي بحت, دون التفكير بأي اطار قطري.‏

وبعد ان انحرف المجمع الثقافي في ابو ظبي عن مضمون العقد وبدأ يفكر في اطار قطري واغتصب المشروع وادعاه لنفسه نشأت حالة جديدة.‏

لم اكن معنيا في وقتها بالناحية الاخلاقية او الانسانية فلقد كان يعنيني الجانب العلمي فقط, فكان ان عزفت عن المسألة برمتها ,على الاخص بعد ان اضطررت الى اجراء عمليتين جراحيتين في القلب.‏

وانه لمن دواعي سروري من ضمن هذه المقالات العلمية البحتة ان تتاح لي فرصة رد الجميل واعطاء ذوي الحق حقوقهم فلقد وقف الصديق العزيز جداً العماد اول مصطفى طلاس موقفاً اريحياً قومياً لرأب الصدع بيني وبين المجمع الثقافي الى ان اقنعته بأن المسألة ليست خلافاً على الحقوق المالية بل على المبادىء والاسس العلمية, ولا انسى لسيادته موقفه الوطني والقومي والاسلامي لخلق علاقة متينة بين سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود, الذي اكن له شخصياً بالغ الاحترام, وبيني وعلى الاخص حول مسألة موسوعة الشعر وموسوعة الحديث.‏

أما بالنسبة للصديق العزيز مناف طلاس فإنني سعيد بالمناكفات والمشاحنات و المشاكسات التي جرت بينه وبيني حول العديد من القضايا الاشكالية في السياسة والتراث وقضايا أخرى.‏

حين اقتحم الصديق النبيل, الذي ذكرته في عدد من المقالات , حياتي وفرض علي ان اعود الى عملي العلمي مهما كانت الظروف قلت له انني ياصديقي بلغت من العمر عتياً وليس بمقدور اي قوة ان تعيد عقارب الساعة الى الوراء ومع ذلك فإنني احيي شبابه وعنفوانه وحماسه ووطنيته واندفاعه وغيرته على الوطن.‏

اخر مااود ان اقوله في هذا السياق ان مجموعة من الاصدقاء سألتني ما اذا كنت قد اضربت عن الحديث في السياسة وجوابي هو التالي:‏

طالما ان العربدة الاسرائيلية الاخيرة فوق الحرمات السورية لم يواجهها موقف عربي واسلامي ودولي حازم, وطالما ان عدداً لايستهان به من الاعراب والمتأسلمين يعتقدون ان ايران هي عدو استراتيجي وان الكيان الصهيوني هو حليف استراتيجي, وطالما ان صبيان السياسة وغلمانها في لبنان قد وصلت بهم السفاهة الى حد ضرب ارقام غينيس القياسية, وطالما ان بعضاً من المعارضة السورية لم يرتجف لهم جفن ولم يطق عندهم عرق حياء عند دخولهم الى الكنيست الاسرائيلي, وطالما ان الكبشين الفلسطينيين الكبيرين مازالا يتناطحان مخلفين دماء في اعماقنا اغزر من دماء شعبهما وطالما ان دفاعنا الشخصي عن مبادئنا ومواقفنا وثوابتنا يعتبره بعضهم دفاعاً عن النظام, فعن اي سياسة يتحدثون? ألا لعن الله السياسة اذا كنا سنتمرغ في هذا العفن والعهر والحضيض.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 08/09/2007 23:52

مادام الكاتب لايلتفت للجانب المادي ولاالمكاني فإني أتمنى عليه أن يستمر في مشروعه إلى آخر مايستطيع, ودائما لايفهم مجتمع المجدد عمل مجددهم لأنه يسبقهم, ودائما يأتي جيل قادم يستفيد من المجدد السابق, وهذا من سنن الحياة في تطورها عبر الزمن, وأعتقد أن القرآن الكريم سرد لنا أمثلة مستقبلية في قواعد لغتنا العربية, ولو نظرنا فيها جيدا وأخضعنا كل تراثنا لمفاهيم الحاسوب فسنخرج بأصالة كبيرة تتوافق مع معظم مستجدات العصر, فعلى الكاتب أن يعتمد على إرادته ولاينتظر تقديرا ممن حوله فأغلبهم نقليون, بينما هو يفتح فتحا جديدا لأجيال قادمة ستمارس العقل وستترك النقل.

السيدة أحلام تقلا |  orsoulazzr@gmeil.com | 27/04/2010 18:20

نزار قباني حالة استثنائية خاصة جدا ؟مثير للهيام ممستنبط المشاعر الإنسانية هو ذاته بعينها بحدودها اللامحدودة وأبعادها اللامتناهية إنه سيد قرننا هذا وما سيأتي بعد إنه أبجدية الحب الإولى ومعقل للنضال المميز ضد الاحتلال الفكري والوجداني وضد مرجعيات بالية تعيق حركة التقدم و تحبط عملية النمو وتناكف الحضارة لمجرد المناكفة نزار قباني ابن سوريا أم الحضارات ومهد الديانلت سوريا الصامدة الأبية نزار عظيم من بلدي الحبيب

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 برهان بخاري
برهان بخاري

القراءات: 1411
القراءات: 1322
القراءات: 1768
القراءات: 3121
القراءات: 3198
القراءات: 2220
القراءات: 2014
القراءات: 1275
القراءات: 2307
القراءات: 1683
القراءات: 1686
القراءات: 1594
القراءات: 1466
القراءات: 1621
القراءات: 1328
القراءات: 1361
القراءات: 1569
القراءات: 1554
القراءات: 1607
القراءات: 1356
القراءات: 2455
القراءات: 1439
القراءات: 1350
القراءات: 1553
القراءات: 1845

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية