ففي الميدان يتابع جيشنا السوري الباسل مهمته المقدسة بكثير من العزيمة والتصميم في القضاء على الإرهاب واستئصال جذوره بالنيابة عن العالم المتمدن كله، وفي السياسة يمضي مسار البحث عن حل لوقف نزيف القتل قدماً على الرغم من كل محاولات الإعاقة التي تقوم بها الولايات المتحدة فعلاً، وتنفذها على الأرض تركيا والسعودية وغيرهما من خلال بقايا المجموعات الإرهابية، أو بصورة مباشرة مثلما فعلت تركيا بإقدامها على المغامرة باللعب بالنار من خلال إسقاط القاذفة الروسية عبر كمين جوي وادعاء الدفاع عن السيادة الوطنية، فيما يترك أردوغان لنفسه الحق في التمادي في التدخل بشؤون الآخرين ومطالبتهم بالاستجابة لأحلامه وأوهامه.
وأمام هذا التقدم السياسي والعسكري فإن متغيرات اجتماعية تحدث على الأرض سيكون لها كبير الأثر في المساعدة على إيقاف القتل وعودة بعض المسلحين عن أخطائهم، وتخليهم عن السلاح بعد تسوية أوضاعهم وفق القانون.
فمنذ بداية التحول الكبير في قواعد الاشتباك ومع بدء استعادة الجيش العربي السوري لمناطق مهمة في كل من حلب وحماة واللاذقية وغيرها، بدأت ظاهرة فرار بعض المسلحين بعد بيع أسلحتهم، أو إخفائها في مكان ما، والهرب بعد ذلك إلى دول الجوار وخاصة إلى تركيا والأردن، وانتقال بعضهم إلى دول أوروبا ضمن موجة السماح باستقبال اللاجئين من دول الاتحاد الأوروبي.
ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد فبعض المسلحين ممن لا يجدون فرصة لديهم للهرب وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما أولهما الموت فيما إذا استمروا في مجموعاتهم المسلحة، وثانيهما البحث عن طريقة يمكن أن يبقوا فيها على حياتهم من خلال إلقائهم السلاح وتسوية أوضاعهم بطريقة قانونية، وهم يجدون نماذج في أقران لهم عادوا عن غيهم وتحولوا إلى لجان شعبية في مناطقهم يدافعون عنها ولا يسمحون بدخول الإرهابيين إليها. وتبدو تباشير كثيرة في أكثر من منطقة تؤكد مساعي كثير من المجموعات المسلحة ومتزعميها للتواصل مع الجهات الرسمية والأمنية والعسكرية في مناطقهم لإبلاغهم رغبتهم في العودة إلى جادة الصواب، والالتزام الوطني بعد سنوات من حمل السلاح، وتنفيذ تعليمات أجهزة الدول الغربية والاستخبارات السعودية والتركية والأردنية وغيرها ممن كانت تمول وتدعم بالسلاح وتقدم المعلومات العسكرية وتطلب تنفيذ عمليات تخريبية محددة، فهل نقبل توبتهم ونستعيد مكانتهم بيننا؟.
إنها مسألة فيها نظر.. فمن تمادى في تعامله مع الاستخبارات الغربية والصهيونية لا يمكن أن يكون له مكان في وطن الشرف، أما ما دون ذلك فإنه يخضع للاختبار في مدى الالتزام من خلال الاعتراف بالذنب والندم عليه والتعويض عما سلف، وعندما تكون ساحات الوطن مجالاً رحباً لكل عائد، فالدولة لا تحمل حقداً ولا ثأراً ولا غلاً، فمواطنوها سواء في الحقوق والواجبات ومن رغب في العودة عن الخطأ فإن الأبواب أمامه مفتوحة.
وبالتأكيد إذا كان الظرف يفرض على هؤلاء المسلحين البحث عن مخرج للإبقاء على حياتهم، فإن الدولة لا ترى ذلك عيباً ينقص من فعلتهم في العودة إلى الوطن والالتزام بالقانون ذلك أن جملة المتغيرات تؤكد أن الخلاص الوطني مؤكد، وأن النصر قريب، وأن باب التوبة مفتوح.