تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


زمان المحبة والأدب

معاً على الطريق
الأربعاء 3-10-2018
أنيسة عبود

تلقيت بطاقة الدعوة لحضور (الظهرية الأدبية)

بصراحة - عبارة ظهرية أدبية - تسبب لي حساسية.. ما إن أعرف أنها ظهرية حتى أبدأ بهرش رأسي.. لقد تربيت على الأمسة الأدبية.. يعني فترة الغروب حيث يكون الناس عادوا إلى بيوتهم.. تناولوا الغداء والشاي المنعش واتصلوا بأصدقائهم ودعوهم إلى الأمسية.. الأمسية تعني وقت هادئ لا يضطر المحب للثقافة والأدب أن يطلب إذناً من مديره ليتغيب من أجل حضور ساعة ثقافة قد لا يكترث لها أو يقدرها إلا القليلون.. فلم تعد الثقافة غذاء الروح كما رحيق الورد للنحل.. لكن لحضور الظهرية الأدبية، لا بد من الاستعداد لترك عملك أو وظيفتك لفترة.. ولا بد من التهيئة النفسية للسير في الزحمة وانتظار سيارة أجرة ودفع مبلغ من المال يراه الكثيرون ضرورياً لشراء الخبز أكثر منه لحضور ندوة أو شراء كتاب.‏

لكن المشكلة ليست هنا.. المشكلة قد تضحي بالخبز والوقت وتتحمل الزحمة وتذهب لحضور الظهرية الأدبية المبجلة فتكتشف أن الحضور من موظفي المركز الثقافي ومن العاطلين عن العمل.. ولكن ما إن تمر الدقائق الأولى حتى يبدأ الهواء البارد المنعش مع رائحة النظافة بفعل فعلهما إذ تبدأ عمليات التثاؤب ثم النعاس اللذيذ ثم الشخير.. ولا أظن القصيدة قادرة على إيقاظ النائم المتعب.. لكن الذي سيوقظه هو مرور فرقاطة من الصراصير تتجول في الجو المنعش وموسيقا الشعر الرتيبة.. وبالتأكيد لست بأفضل حال من الحضور.. رحت أغمض عيني وأهيئ نفسي للنوم وذلك أفضل من الخروج إلى الشارع المزدحم بالغبار والحفر والسيارات (المزنوقة) وراء سيارة مسؤول.‏

لم أكمل محاضرة الشاعر الذي شعرت بالأسى لأجله ولأجل الثقافة التي صارت من كماليات المجتمع العربي.. وكأن الثقافة لم تعد صالحة للاستخدام في زمن القتل والحرب والخراب النفسي والأخلاقي.. فهل دخلنا عصر الظلمات؟ لقد بدأت موجات الثقافة المتطرفة المتنمرة القاتلة تغزوا العقول وتزيح من أمامها ثقافة الجمال والتنوير والتسامح والمحبة.‏

لم يحضر في ذاكرتي أمام هذا المشهد المؤلم إلا أن أتذكر مهرجان المحبة.. مهرجان السلام الذي افتتحه القائد الخالد حافظ الأسد في مدينة اللاذقية وكانت السيدة الأديبة الدكتورة نجاح العطار وزيرة للثقافة.. فكانت خير من يمثل الكلمة المنتمية الصادقة والهادفة من أجل مجتمع حضاري أصيل تمتد جذوره من امرئ القيس إلى ابن رشد والمتنبي والكثير من العلماء والأدباء والفنانين والمبدعين الذين شكلوا هوية ثقافية عربية رفيعة المستوى.‏

كان المهرجان منارة عربية يدعى إليه كبار الكتاب والفنانين والرياضيين والفرسان.. وكانت السيدة الوزيرة نجاح العطار ترعى وتحضر كل فعاليات المهرجان الذي كان يقام سنوياً في اللاذقية.. لدرجة أن الروائي جمال الغيطاني وآخرين من المبدعين العرب أطلقوا عليها (لقب وزيرة الثقافة العربية) لشفافية حضورها ولجزالة خطاباتها ولرؤياها المستقبلية واحترامها وتقديرها للكلمة المبدعة.. يومها لم يكن السير متوفراً كما هو الآن.. مع ذلك كانت الناس تأتي من كل المدن السورية.. وكانت قاعة المحاضرات تغصّ بالمئات وأحياناً بآلاف المتلقين.. وكانت جموع كثيرة من قرى وريف اللاذقية وطرطوس تحضر يومياً المهرجان.. فكان كل فرد يبحث عن الذي يعنيه من رياضة أو أدب أو فن.. وكانت المدينة الرياضية (مدينة المهرجان) تعم بالزائرين.. وفندق الميريديان يكتظّ بالضيوف والإعلاميين.. صار المهرجان حلم كل كاتب عربي للمشاركة في هذا المهرجان الذي انتشر صيته عربياً ودولياً.. وصارت اللاذقية تتزين وتتحضر كل آب لتستقبل ضيوفها.. كانت السيدة الدكتورة نجاح العطار على (قدر المهمة والمسؤولية) ما أعطى دفعاً واستمراراً.. للمهرجان الذي كنا ننتظره لملاقاة أدباء كبار نقرأ لهم ونحلم بمحاورتهم والاستماع إليهم.. كنا نشتري الثياب الجميلة لحضور حفلات مشاهير الفنانين وسهراتهم في الهواء الطلق.. يومها كان للثقافة ألقها وبهاؤها وكان للإبداع زهوته ورموزه.. وكانت اللاذقية عروس الأدب والفن والجمال والمحب‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 696
القراءات: 832
القراءات: 746
القراءات: 704
القراءات: 742
القراءات: 663
القراءات: 689
القراءات: 892
القراءات: 937
القراءات: 770
القراءات: 743
القراءات: 783
القراءات: 771
القراءات: 864
القراءات: 764
القراءات: 758
القراءات: 748
القراءات: 830
القراءات: 741
القراءات: 890
القراءات: 752
القراءات: 801
القراءات: 887
القراءات: 966
القراءات: 769

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية