تلك الانتصارات كان ثمنها فادحاً سواء من دماء السوريين أم ممتلكاتهم وثرواتهم وأرزاقهم، وكل ذلك كان بهدف هزيمة المشروع الغربي الذي استهدف سورية بشكل أساسي والمنطقة العربية والإقليم على وجه العموم الذي لو قيض إن ينجح لتشكلت جغرافيا سياسية جديدة في المنطقة لا تشبه أو تنسجم بأي شكل من الأشكال مع ما هو قائم أو مأمول ولكنا أمام سايكس بيكو في كل دولة من دول المنطقة .
إن هزيمة الإرهاب لا تعني إن المشروع قد هزم بشكل نهائي لأنه يملك العديد من الأدوات والأشكال والسيناريوهات منها ما هو عسكري ومنها ما هو سياسي واقتصادي وأمني وفكري وإعلامي ما يعني اليقظة والحذر واستمرار الجاهزية والتنسيق الكامل مع الحلفاء والأصدقاء بل وتوسيع تلك الدائرة لتشمل دولاً أخرى ما يعزز من قوة ومتانة وصلابة عناصر مقاومته فالواضح ًأن الأميركي وحلفاؤه يفكرون بأدوات وعناوين جديدة بهدف إبقاء دول المنطقة في حالة صراع واحتراب وعدم استقرار من خلال التركيز الأميركي الواضح على خلق مشاكل داخلية لكل دولة من دول المنطقة بهدف إلهائها وإضعافها ما يتيح الفرصة للعدو الصهيوني ليستمر في توسعه وتهويده الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة وصولاً لتصفية القضية الفلسطينية وإخراجها من التداول .
إن حالة الهستيريا والاضطراب التي سادت الأوساط السياسية والأمنية في الكيان الصهيوني بعد الإنجازات والانتصارات الاستراتيجية التي حققها جيشنا العربي السوري بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء تؤكد الحقيقية التي طالما تحدثنا عنها وهي إن العدو الصهيوني وحماته هم من استثمر فيما جرى ويجري على الساحة العربية وساهم في تسعير النيران لتلتهم كل ما هو أخضر ويابس على هذه الأرض، ولكن الأمور اتخذت منحى آخر بفعل الصمود السوري الذي قلب كل المعادلات والتوقعات وأفرز حقائق ووقائع جديدة شكلت صدمة لراسمي الاستراتيجيات في مطابخ السياسة الغربية المتحالفة مع الصهيونية وأدواتها وهو ما يفسر حالة الارتباك والخوف التي يعيشها قادة الكيان، فها هم يتوجهون غرباً وشرقاً بحثاً عن ضمانات تحميهم من الخطر الذي يتهددهم من سورية ومحور المقاومة بعد اكتمال الانتصار ولاسيما أن أطرافه لم ولن يغيروا البوصلة التي هي فلسطين وفي قلبها القدس لا غيرها .
لقد أثبتت الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية خلال السنوات الماضية ولاسيما بعد حرب تموز عام ٢٠٠٦ وما تلاها أن الإرادة والإيمان والعقيدة والثبات على المبادئ والتنسيق والتكامل بين القوى الحية في المنطقة قادر على صنع الانتصارات مهما امتلك الأعداء من قوة عسكرية واقتصادية وإعلامية جبارة وهذا هو الدرس الأهم الذي يجب أن يدركه الأعداء قبل الأصدقاء ما يعني أن المنطقة والعالم سيكون أمام حقائق جديدة تعيد رسم الاستراتيجيات وربما التحالفات في زمن ليس بالبعيد، ولعل إرهاصات أولى لذلك قد بدأت تجد مرتسمات لها على أرض الواقع ستفرز حتماً خرائط سياسية جديدة .
khalaf.almuftah@gmail.com