فما إن يقع حادث ما في بلد ما جزئيا كان أو فرديا إلا ويتردد صداه في كل القارات على مدى المسافات.. وتبدأ الآراء والنظريات وربما الفلسفات أيضا أو الايديولوجيات تتحكم بالتحليل والتدقيق والتعليق.. لكن النتائج هي حصيلة آراء الأفراد سواء كانت انفعالية أم عقلية لأن هذا العصر رغم كل مآسيه هو عصر الشعوب.. وربما يُعبّر أي فرد بأي سلوك أو فعل أو ردة الفعل عن هذا الشعب.
فلماذا نسمح لأنفسنا بأن نجعل لكل شيء ثقافته ولكل شيء مبرره وعلته؟ فالثقافة هي روح الشعوب.. وهي عصارة تاريخها.. وهي الدماء التي تجري في شرايينها خلال قرون.. وهي مزيج من القوى الدينية أو الروحية ومن الفلسفات ومن كل معطيات الواقع الذي عاشه شعب ما فتغلغل فيه كما الماء في التربة وكما الوشائج في صلة القربى .
إن الثقافة هي الأصالة.. وهي الضوء في العيون على مدى القرون.. وهي الشرايين التي تحمل الدماء فتوزعها كرامة أو إباء كما توزعها أحيانا ذلة واستهزاء..
إن احترام شعب ما ينبع من احترام مثقفيه, وعلمائه, وأصحاب الرأي فيه, وكل ما يشكل الشخصية ولما يثبت عنوان الهوية.
ولقد سمحت لنفسي هذا الأسبوع أن أتجاوز عهدي ووعدي لدمشق العاصمة الثقافية بأن أدخل في هذا الموضوع يقينا مني أن دمشق هي عاصمة بلاد الشام.. تضم القدس ثانيا وتطل على كل عواصم الدنيا وتظل هي العليا.. ولا أدري بالضبط ولا غيري يدري ماذا كانت ردود الأفعال في دمشق لكل الأجيال..ولكن ما أعرفه أن دمشق رصينة رزينة وهي تزن الأمور دائما بميزان الحضور.. حضورها على الساحة الثقافية والإعلامية. كما أذكر أن بلاد الشام عموما هي التي أحبها المتنبي.. شاعري العظيم والذي ألجأ إليه عند كل حدث صغير أو عظيم وكأنه معي عبر الزمان.. أعثر على قصائد برمتها لكن ما يستأثر بي بيت واحد يقول فيه:
وتركك في الدنيا دوياً كأنما
تداول سمع المرء أنمله العشر
فها هو الدوي قد حصل في الدنيا بمعناها الأشمل والأوسع.. فهل هناك من لم يسمع؟ أما الصدى فهو بين السلب والإيجاب.. ولكل سؤال جواب.
وأعود فأقول إن علينا أن ننظر إلى ثقافتنا وإعلامنا قبل أن ننظر إلى ساحات معاركنا وسلاحنا..فلماذا تجدي أو أجدت الأسلحة أمام الضمائر وصراخ الحرائر.. وأمام مقاومة الشعوب للإرهاب الذي أصبح يهدد كل باب.. ويلاحق كل عربي أو مسلم بأوهى أو أضعف الأسباب.