ثم بعد فترة يكتشفون أن الأستاذ والمجتمع يكذب عليهم ..وأن الحياة لا تمشي بالنظريات والنصوص المكتوبة على مجلدات تحفظ فقط في المكتبات أو تتم المشاركة بها في معرض الكتاب أو المؤتمرات والندوات لا غير .
إن الواقع الذي نعيشه غير الواقع الذي نقرأه يا سيدي .انظر حولك، تابع ماذا يجري في العالم. العالم كله مهووس بالمادة. المادة هي أسمى الأهداف التي يسعى إليها البشر ..المادة تجعلك محترماً. وتحقق لك وجودك ..تعطيك اسماً وهيئة وشكلاً وطعماً ..المادة تجعلك قوياً , شرساً لا تهاب أحداً ..أقصد لا تحترم كبيراً ولا ترأف بصغير ..تدوس كل شيء وتمشي .ثم تمشي وكأنك وحدك في هذا العالم , سيد هذا العالم ..لا تضطر لأن تجامل أو تلبس قناع التهذيب .المادة وحدها تظهرك على حقيقتك ..وحقيقتك قد تكون مشابهة لحقيقة الذئب الذي يسرق دجاجات خالتي ( زهوة ) أو إلى الذئب الذي يرتدي ثياب جدة ليلى. أما ما تحمله الكتب التي تقول أن الإنسان يأخذ قيمته من علمه وعقله وذكائه وإخلاصه ..فهذه مجرد تهويمات في هذا العصر الأميركي بامتياز ..عصر داعش والقتل والذبح والحيرة .نعم الحيرة التي تتلبس المرء العاقل وهو يجوب في حقيقة الإنسان التائه الذي يركض خلف نهايته بيده .
ربما يشكل هذا الكلام صدمة عند البعض خاصة اذا ما عاين التحولات الكبيرة التي لا يستطيع العقل إدراكها بسرعة ..بل يحتاج إلى وقت طويل كي يبرمج هذه التحولات والمتغيرات التي طرأت على الفكر الكوني والتي لا تتناسب مع ذوي العقول الإنسانية التي لم تلوثها السواطير ولا هدير الدولارات. البعض قد يقع في مطبّات نفسية ويصبح عاجزاً عن المتابعة والسير مع هذا الكون الأحمق الذي يفني نفسه بنفسه, لذلك ينزوي أو يبحث عن صومعة. هذا إذا كان هناك من صومعة ومحبرة وكتب وسهروردي أو حلاج لن تصل إليهم سيوف الزمن القديم. إذ سيكون من المفيد أن أخبرك يا سيدي بأن سيوف الماضي لم تنكسر بعد على الرغم من مرور آلاف السنين وتبدل الحضارات وتبدل الشعوب واكتشاف البترول والأنترنت ومحاكمة(أسانج) سيد ويكيليكس ..وتغيير صبغة شعر ترامب من أشقر فاتح إلى أشقر بني وذلك يعني تغير مزاجه أو تغير مزاج القتل والنهب والسرقة لديه .نعم ..للعلم ..سيوف الماضي لم تنكسر بعد وما زالت تمتد وتتطاول وتلتف من زمن إلى زمن وفي كل زمن تأخذ شكلاً جديداً يتناسب والتغيرات الجينية و النفسية والبيولوجية والأخلاقية ..وهذه السيوف الخفية التي تشرئب فجأة لا أحد يستطيع مقاومتها لأنها لا تنحر الرقاب والرؤوس فقط ..بل هي موجودة ومتواجدة لنحر الأفكار وتركها على ناصية الشارع تنزف دمها وقيمها وأفكارها حتى يراها القوم ويتأدبوا بها ..فلا شيء يستطيع مقاومة الأفكار السوداء ولا السيوف السوداء التي أعتقد بأنها لن تصدأ ولن تفلّها الكلمة مهما كتبنا وطبعنا وصرخنا. سيمر زمن أشبه بزمن نوح وطوفان نوح حتى تتطهر الأرض والنفوس وتعود قافلة الأيام المحملة ببضاعة جديدة غير التي كانت..
وغير التي عشناها. فهل سنرى القوافل قادمة من صوب الضوء تحمل النور بدل الرؤوس المقطوعة يا سيدي ؟
لماذا تصمت ؟
لماذا لا تردّ ؟
في أي زمن ستعطي الجواب ؟ وفي أي كتاب تنصحنا أن نتلهى حتى يمرّ الوقت ونقدر على لملمة القيم التي كنا نقرأ عنها فإذا هي كذبة حتى ( أمراء المؤمنين ) في العهد الأموي والعباسي لم يأخذوا بها فهذا من قذف السهام على الكتاب المقدس وهذا من ملأ قصره بالجواري وذاك من نهب الأرض وعاث فساداً .. ومع ذلك ما زلنا نناديه بأمير المؤمنين .
اليوم يتناسل الأمراء ويتكاثر الخلفاء .يملؤون الأرض نفاقاً وقتلاً ودماً ومع ذلك ما زلنا نأمل أو نتوقع أن يسود العقل أو يكون له مكاناً محترماً في زحمة الجنون والفوضى علّه يعين على الكتابة من جديد في زمن جديد .