تسع سنوات، لم تفارقنا كلمة القتل والموت، ولم يفارقنا الأمل كذلك، لكن في الفترة التي بدأت الأوضاع بالانفراج.. وبدأنا نزداد يقيناً أن البلد بدأ يتعافى،
وأن الدم السوري سيتوقف عن الجريان لأن الأرض شبعت، وامتلأت السماء بالأرواح، وفاضت الأنهر من دموع الأمهات، واهتزت الجبال على آهات المقهورين والمعذبين في أرض الحضارة والأبجدية، وتنفست السهول الصعداء وبدأت عجلة الاقتصاد تقلع، وأخذت المصانع تدور، و فتح العراق الشقيق حدوده على سورية بعد تنظيف تلك الحدود من الإرهابيين، في هذا الوقت بالذات بدأ فصل جديد يا سيدي التاريخ، هذا الفصل يبداً من أميركا وتشاركها أوروبا وأردوغان إذ انتبهوا إلى أن (الصيدة هربت من الشباك)، فبدأت بفرض عقوبات جديدة خانقة على البلد وعلى المواطن الذي عاد إلى نقطة البداية، وكأن السنوات السابقة من الحصار والقتل والدمار لم تكف المواطن السوري.
الذي يجري.. أننا تعبنا من الغلاء الشديد بحيث صارت الحياة جد قاسية وخاصة على الأطفال والمرضى وطلاب العلم في الجامعات، إذ تعجز الأسرة أن تقوم بمصاريف الجامعة وتكاليف السفر، ما يدفعها إلى تعطيل أبنائها عن الدراسة وإرسالهم إلى سوق العمل الذي يفيض بالبطالة والعجز، فإذا كان راتب الموظف بعد ثلاثين عاماً على هذه الحال، فكيف ستلبي الأسرة حاجات الحياة؟
ربما كان هذا سبباً للهجرة أو لليأس أو للانقطاع عن مشاريع الحياة وأحلامها.. وهذا هو الذي يجري في ظروف قاسية تجتاح حياة المواطن السوري الذي لولا الصمود والصبر لانهار.
والذي يجري، ويزيد الطين بلة هو هذا الفساد المنتشر (على عينك يا تاجر)..أسعار ترتفع كل يوم دون ضوابط ودون رادع .. أسواق الهال تنهب المزارع وتأكل تعبه وكأن الظروف الجوية مع غلاء متطلبات الزراعة لا تكفي، فيكون المستفيد الأول هو الوسيط والخاسر الأول هو المزارع، السوق مليء بالبضاعة الفاسدة أو المغشوشة والتي على المواطن المغلوب على أمره التعامل معها، فواتير كهرباء وماء واتصالات لا تطاق.. والطرقات محفورة والبلديات تعطي الرخص المزورة وكأن لا حسيب ولا رقيب، والامثلة كثيرة؟
الذي يجري يا سيدي التاريخ لن تستطيع تدوينه لأن اللصوص قادرون على الوصول إليك وقطع رأسك وتلفيق التهم لبراءتك بحيث تصير أنت اللص وهم الأبرياء الأوفياء لدم الشهداء.. وخاصة عندما يسرقون الجمل بما حمل ثم يوزعون بقاياه التالفة على الفقراء والمحتاجين ليظهروا بعد ذلك بمظهر الأبطال والمحسنين.
الذي يجري أنهم يسرقون مال الفقراء من جيوبهم وهم لا يحسون، ويتاجرون بدم الشهداء الذين قدموا أغلى ما يملكون، فما تفيد الكتابة يا سيدي التاريخ وماذا يفيد أن تعرف الحقيقة بعد فوات الأوان؟
لقد طفح الكيل.. بينما الشرفاء والأبطال من الجيش العربي السوري يربضون على حدوده أسوداً، أشاوس من أجل سورية وعزة سورية، فاكتب أيها التاريخ، أو لا تكتب.
المهم أن العدو يعوي وقافلة النصر تسير.