فقد قفز الدولار خلال فترة وجيزة من 69 ليرة إلى 70 ومن ثم إلى 72 وبعدها إلى 75 وصولاً إلى 79 ليرة حتى دخل بالأمس إلى حيّز الثمانين ليرة سورية للدولار الواحد، وللمرة الأولى يسجّل خلال هذه الفترة سعرين متفاوتين خلال يومٍ واحد، ما يعني أن القفز سريع ، وأسرع مما ينبغي، ومع هذا فلم يطفُ على السطح بعد أي قرار واضح للسلطات النقدية، ولم تقم هذه السلطات بأي إجراءات رادعة.. ولا حتى مواكبة لما يحصل أللهمَّ باستثناء بعض التصريحات المطمئنة إلى حدٍّ كبير من رئيس الحكومة وحاكم مصرف سورية المركزي، ففي حين ثابرا على إيصال الرسائل التطمينيّة للناس بأن الوضع جيد وبخير وتحت السيطرة الكاملة، وأن البنك المركزي مازال يحتفظ بالكثير من الاحتياطيات النقدية الكفيلة بتلبية المتطلبات على أكمل وجه، من الملاحظ أن النائب الاقتصادي ( المعني بهذه المسألة حتى العظم ) يلتزم بصمتٍ مريب حيال هذا الأمر، ما سرّبَ شكوكاً إلى نفوس البعض حول مدى صحة التصريحات النارية عن السيطرة والوضع الجيد ..؟!
على كل حال فإنَّ الاكتفاء بمثل هذه التصريحات يبدو أنه لم يعد كافياً بعد أن دخل الدولار في كنف الثمانين ليرة، وصار من المفترض أن نجد إجراءات على الأرض أقوى وأعلى مستوى من تلك التي يسوقها المركزي في تقاريره الأسبوعية، إذ يشير إلى أنه يتدخّل بشكل مباشر بائعاً وشارياً للقطع الأجنبي مع المصارف ومؤسسات الصرافة وفق سعر التدخل الذي يتم تحديده بعد الاطلاع على السعر الرائج في السوق وحركة العرض والطلب في اليوم السابق بحيث يشكل السعر – مثلما يرى المركزي – سعراً مرجعياً للمصارف ومؤسسات الصرافة لوضع نشرات سعر الصرف الخاصة بها، ويرى المركزي أن هذا الأمر قد أسهم بصورة فعالة في استقرار السوق المحلية وعودة سعر الصرف إلى الانخفاض بشكل تدريجي ومدروس.
إن مثل هذا التوصيف لم نعد نراه مُترجماً على الأرض، فسعر التدخّل لم يعد سعراً مرجعياً يساهم بانخفاض تدريجي ومدروس لسعر الصرف، بل على العكس بدا سعر السوق السوداء وكأنه هو السعر المرجعي الذي على أساسه يقوم المركزي – في ظل غياب إجراءاته وقراراته الكابحة – بتحديد سعر التدخل بشكل مرتفع يُقارب سعر السوق السوداء، إذ راح يتبعها بدلاً من كبح جماحها ولعل هذا ما أسهم بشكل ( تدريجي ومدروس ) بارتفاع سعر الصرف بهذا الشكل المشوّه واللامعقول ..!!
إننا لانعدم الثقة بقدرة المركزي والسلطات النقدية على اتخاذ القرارات الفعّالة والكابحة لمثل هذا السعر التشوّهي للدولار، وما زلنا نأمل بأن المركزي يترقّب الوقت المناسب لينقضَّ على هذه السوق السوداء ويوقفها مع المضاربين فيها عند حدودهم .. ولكن .. الله لا يخجلنا يا رب العالمين .