تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هموم ومواجع أكاديمية

معاً على الطريق
الأحد 29/7/2007
برهان بخاري

مازلت حتى الآن لا أعرف الحدود التي يجدر بي ألا أتخطاها إن على صعيد المواجهة والمجابهة في قضايا سياسية ساخنة أم على صعيد المكاشفة والمباسطة في مسائل محلية تحمل في طياتها جوانب شخصية.

معظم الأصدقاء الذين اتصلوا بي معقبين على مقالي الماضي توقفوا عند النبرة العالية التي استخدمتها في حديثي عن مؤامرات الصمت, وتعجبوا من السقف العالي للتحدي الذي أظهرته لكن هذا التعجب كان مشفوعاً أيضاً بنوع من الاستهجان عند معرفتهم بأن أحداً من المسؤولين أو من أصحاب الاختصاص لم يتصل بي حتى الآن ولم يناقش أطروحاتي, وبالتالي فإنه من حقي الطبيعي المضي في شن حرب شعواء ضد مختلف مؤامرات الصمت.‏

ما لفتني هو تعقيب لأحد الأصدقاء مفاده أنني نجحت عبر مقالاتي في الترويج لمشروعي الخاص بالمعجم الشامل لأدبيات السيد الرئيس بشار الأسد.‏

وبعد أن وضعت سماعة الهاتف شرعت أتساءل بحيرة: هل يمكن اعتبار مثل هذا المشروع الوطني المؤسساتي الضخم الذي يتألف من أكثر من عشرة آلاف صفحة من القطع الكبير مشروعاً خاصاً? وما هي مواصفات المشاريع العامة إذن?.‏

هذا المشروع بالنسبة لي شخصياً هو جزء من موسوعة المعجم التاريخي للغة العربية التي عملت عليها لأكثر من عشرين سنة والتي تشتمل على القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف عند المذهبين الكبيرين وكتاب نهج البلاغة والصحيفة السجادية ونتاج آلاف الشعراء مما قبل امرؤ القيس بقرون وصولاً إلى نزار قباني ومحمود درويش ونازك الملائكة وسعاد الصباح, إضافة إلى حوالى ثلث أدبيات المغفور له الرئيس حافظ الأسد, ومع ذلك لم يكلف أي مسؤول أو صاحب اختصاص نفسه عناء الاطلاع على هذه الموسوعة أو الاستفسار المباشر أو غير المباشر عن بعض تفاصيلها.‏

أما بالنسبة للصديق النبيل الذي وقف إلى جانبي وأمسك مؤخراً بعصا تتابع الداعمين وأمدني بأسباب العون والمناصرة فلم يكن عنده أي طموح شخصي سواء على الصعيد المادي أم المعنوي, كل ما في الأمر أنه أعجب بالمشروع وآمن به ورأى أنه يخدم العلم والوطن فمضى يدعمه بصمت وتستر.‏

المشكلة تكمن في رسم الحدود الدقيقة بين المشاريع العامة الرسمية وبين المشاريع الخاصة, وحين تحدثت في مقالي السابق عن تبديد المال العام عبر مشاريع أكاديمية وهمية زائفة كنت في حقيقة الأمر أسعى إلى التأسيس إلى نوع من المكاشفة والمحاسبة للدفاع عن المصالح العليا للوطن التي يسعى إلى صونها الرئيس بشار الأسد عبر نوع من المكاشفة الجسورة غير المسبوقة أو المألوفة بما في ذلك الاستفادة من آراء المعارضة الوطنية التي تتمتع برؤية نقدية نفاذة, وعبر نوع من النقد الذاتي وعلى الأخص في ما يتعلق بمسألة البيروقراطية وغياب أو تعطيل أو تغييب الفكر المؤسساتي واستشراء مفهوم الكانتونات والمقاطعات.‏

نعم وبكل صراحة أقول إننا أمام بؤس حقيقي للأكاديمية العربية والإسلامية, اللهم إن لم يصل الأمر إلى حد الموت السريري.‏

فمجمع اللغة العربية لا نعرف إن كان في حالة سبات أو موات, و لا نعرف أيضاً متى سيخرج اتحاد الكتاب العرب من حيثياته وشجونه الخاصة من تأجير واستثمار وعائدات ورواتب تقاعدية واستطبابات ليتفرغ للشأن الذي كان سبب وجوده, ولانعرف ما إذا كان اتحاد الصحفيين قادراً حتى على تطوير مطعم ملحق به بحيث يجد الصحفيون والمثقفون ملاذاً لائقاً بهم من الناحية المادية والاجتماعية, ولا نعرف ما إذا كانت وزارة الثقافة قادرة على تطوير ولو ضئيل في جانب من الجوانب الضخمة المنوطة بها, كمحو الأمية مثلاً, حيث من المفترض حسب القانون رقم 7 أن نكون قد دفنا آخر أمي عام 1976 في حين أن واقع الأمر يشير إلى أن الأميين يتكاثرون بشكل وبائي.‏

أما في ما يخص الموسوعة العربية الكبرى التي بدأ العمل بها عام 1976 فإننا نجهل عنها تقريباً كل شيء, وأود أن أشير هنا إلى أن موسوعة البريتانيكا البريطانية كانت تطبع ملحقاً سنوياً يحتوي على المستجدات الموسوعية خلال سنة, وتعيد طباعة الموسوعة كاملة كل خمس سنوات مضيفة تلك الملاحق, فكم ملحقاً يجب على الموسوعة العربية الكبرى أن تضيفه بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على بدء عملها?‏

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى مراكز الأبحاث الاستراتيجية والقومية التي جرى تجميدها أو إلغاؤها بعد أن أثقلت كاهل الميزانية العامة بمئات الملايين من الليرات السورية, عدا عن تجميد مشروع موسوعي ومعجمي ضخم شارك فيه صفوة الأكاديميين وعقدوا بعض اجتماعاتهم في منزلي المتواضع.‏

ما أود الوصول إليه تحديداً هو طرح صيغ عملية وفاعلة وناجعة, وبما أن نظامنا السياسي والاقتصادي قائم على مفهوم القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع المشترك, فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يمنع من إيجاد قطاع مشترك يتخصص بمشاريع ذات صبغة أكاديمية أو ثقافية أو تعليمية أو إعلامية أو بحثية.‏

وفي مزيد من الخوض في التفاصيل أقول: إن المال وحده ليس قادراً على إنجاز مشاريع استراتيجية, فثمة شيء اسمه هيبة الدولة ونفوذها وتأثيرها فالدولة و حدها قادرة على تجاوز مجموعة لا تحصى من العوائق, في حين أن القطاع الخاص معروف بعجزه عن اقتحام هذه الحدود.‏

وبمزيد أيضاً من اقتحام الواقع بنوع من الجزئيات والتفاصيل أقول: إن ما أخرني عن طبع أجزاء من الموسوعة الشاملة لأدبيات السيد الرئيس بشار الأسد هو ا لنقص في تلك الأدبيات, فمازال عندي حتى الآن 12 عنواناً ناقصاً.‏

وفي نوع من المكابرة لاقتحام الواقع بأكبر قدر ممكن من الجسارة, وبنوع أيضاً من البوح عن الهموم والمواجع الإعلامية أقول: إن ما بين هذه العناوين لقاء أجرته مع سيادته صحيفة الجزيرة السعودية بتاريخ 19/3/2007 والذي فشلت في الحصول على نسخة عنه خلال شهرين كاملين من أي أرشيف سوري.‏

وحدث أن كنت أتبادل الحديث يوم الاثنين الماضي مع الصديق ياسر حمزة الذي يشكل همزة الوصل بين صحيفة الثورة وبيني, فحدثته عن هذا اللقاء, فما كان منه إلا أن قال لي أعتقد أنني قد خزنته في أرشيفي الخاص واستمهلني بضع دقائق ليؤكد لي بعدها أنه موجود عنده, ثم تكرم بإرساله إلي.‏

وبعد أن استلمته وأدخلته في الحاسب تبين لي أنه لقاء هام جداً ويتألف من 5816 كلمة للسيد الرئيس وحده, لكن المزعج والمؤلم في الموضوع كله هو الإشكالات التي خلقها دخول هذا اللقاء من الناحية المعجمية.‏

فلقد ذكرت في مقالي السابق أن سيادته لم يذكر استفتاء عام 1962 الخاص بالأخوة الأكراد إلا في لقاء مع محطة سكاي نيوز التركية بتاريخ 27/12/2005 في حين أنه قد ذكره في هذا اللقاء. وقلت أيضاً إن مفرده (شورى) لم ترد في أدبيات سيادته قبل خطاب القسم الثاني في حين أنها وردت في لقائه مع صحيفة الجزيرة السعودية.‏

وعليه أجدني مضطراً لتقديم الاعتذار الشديد للقارىء العزيز للتضليل غير المقصود الذي قمت به من الجانب المعلوماتي حول هاتين النقطتين تحديداً.‏

والسؤال المفتوح الذي أطرحه على الجميع هو هل يجوز القفز من فوق مثل هذا النقص وهذه الوقائع?.‏

لقد تجمع لدي الآن قرابة الألف صفحة حول جدلية الحرب والسلام عند سيادته فهل يجوز حسب التقاليد والأعراف الأكاديمية أن أقول مثلاً: هذا هو ملف الحرب والسلام عند الرئيس بشار الأسد حسب ما تجمع لدي حتى الآن من أدبياته? وألا يتوجب علي أن أعلن عن طبيعة ونوعية ونسبة هذه الأدبيات.‏

وحقيقة الأمر أنني لم أقف مكتوف الأيدي فلقد بنيت مع صحيفة الثورة الغراء جملة من العلاقات الهامة والتي كان من بعض مظاهرها نشر شيء من أدبيات سيادته والتي كان منها نشر شواهد كلمة ديمواقراطية على مدى أسبوع كامل.‏

كما فوجئت أثناء الزيارة التي قمت بها للصديق عدنان المحمود مدير عام مؤسسة سانا بالأريحية وبعدم التحفظ على أي خطوة وباستصداره الفوري لقرار بتشكيل لجنة لمتابعة الموضوعر بأسرع وقت ممكن.‏

وكنت قد ناقشت مع الصديق ماجد حليمة المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون بعد تعيينه مباشرة إمكانية إعادة صياغة الأرشيف الوطني وتوحيد الوثائق بمعنى أن لكل عنوان لأي رئيس مر على سورية ثلاثة أشكال: المقروء والمسموع والمرئي, وأن واجبنا أن توحد هذه المصادر الثلاثة.‏

ولقد زرته زيارة خاطفة في مكتبه الاثنين الماضي فوجدت عنده أناساً يناقشون قضية الجولان فقلت له هل عندك المواد التلفزيونية الكاملة لأدبيات سيادته فقال لي نعم, فقلت له سأرسل لك تكرارات كلمة جولان في أدبيات سيادته وتقوم أنت بالمونتاجات اللازمة وبعد أن وصلت إلى البيت استخلصت الناتج من الحاسب فكانت النتيجة أن كلمة جولان تكررت 82 مرة في أدبيات سيادته وقد فاجأته تلك النتيجة تماماً.‏

آخر ما أود قوله هو أنني شاركت يوم الاثنين الماضي في برنامج دائرة ا لحدث الذي يديره الصديق نضال قبلان والذي كان مخصصاً لنتائج الانتخابات التركية فرأيت أن أستخرج من الحاسب كلمة (تركيا) من أدبيات سيادته فكان الناتج 129 استشهاداً, وبعد أن دخلت إلى مكتبه التقيت بأحد الضيوف المشاركين بالحلقة وهو ديبلوماسي تركي رفيع وبعد أن تحدثنا بشيء من التركية التي لا أجيدها انتقلنا للحديث باللغة الانكليزية وعرضت له الملف وترجمت له بعض مضامينه فظهرت عليه آثار الدهشة وطلب مني نسخة من ذلك الملف وقال لي إنها أغلى هدية بالنسبة لي وبالنسبة لجميع أعضاء السفارة.‏

وأثناء الحلقة أخذت أقرأ من ذلك الملف المرتب زمنياً وكانت الفقرة الأولى هي من حوار سيادته مع مجلة الوسط بتاريخ 23/8/1999 حيث قال (لا أحب الحديث عن صفحة جديدة فنحن لم نكن أعداء, وبين سورية وتركيا علاقات قديمة, علاقات تاريخية وعلاقات تجارية واجتماعية واسعة).‏

فما كان من الإعلامي المشارك من تركيا إلا أن أثنى على هذا الكلام ونسج عليه.‏

أعرف أن ما نقوم به هو شيء هام لكن لا يمكن الوصول إلى نتائج راسخة إلا بتعاون القطاعات الرسمية المعنية إلى أبعد حد ممكن,فهل من مستمع أو مجيب?‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 29/07/2007 02:18

ارتحت للعنوان ولو أنه حاد عن النص قليلا قليلا,وارتحت لاعتذار الكاتب فهذا أمر محمود, أما الصعوبات التي ذكرها فلم أراها بهذه المعضلة كما صور الكاتب, ولايحتاج لحلها كل هذه الصعوبات أو الترددات, بل هي روتينية في صميم عمل الإعلام و التأليف والتوثيق, وأستغرب من الكاتب وهو بهذه المكانة المتميزة أن يحمل أوجاعها السهلة بهذه المشقة.أو ربما لايكتفي الكاتب بالتسويق لهذا المشروع بل يريد تضخيم المشقة حتى اكتماله, فأين جهده من جهد باحث جال الأفاق ليجمع الوثائق؟!.إني أستغرب وأتعجب أيضا.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 برهان بخاري
برهان بخاري

القراءات: 1413
القراءات: 1325
القراءات: 1771
القراءات: 3124
القراءات: 3201
القراءات: 2223
القراءات: 2017
القراءات: 1280
القراءات: 2312
القراءات: 1687
القراءات: 1688
القراءات: 1597
القراءات: 1468
القراءات: 1624
القراءات: 1331
القراءات: 1365
القراءات: 1573
القراءات: 1557
القراءات: 1610
القراءات: 1359
القراءات: 2459
القراءات: 1443
القراءات: 1353
القراءات: 1555
القراءات: 1848

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية