وسيعيد ترتيب القوى الإقليمية فيها كما لم تفعل زلازل أخرى هزت المنطقة من قبل مثل اتفاقية « كامب ديفيد «, ومع أن فريدمان لا يخرج من جلده الأميركي حين يقول إن حل المشكلة كاملة مع إيران, لن يكون إلا حين تتخلى الجمهورية الإسلامية عن برنامجها النووي كاملاً.. وحين يتغير النظام السياسي فيها وغير ذلك, إلا أنه, ورغم شهرته الواسعة واعتماد بعض صانعي القرار السياسي الأميركي على ما يخطه قلمه من التحليلات والتكهنات, عاد ليتحامق ثانية بعد حماقته الأولى والمدوية, حين كتب قناعاته بأن السماء ألهمت جورج بوش وحرضته على غزو العراق, فاستشهد بما قاله السعودي عبد الرحمن الراشد بأن مملكة آل سعود بعد الاتفاق الإيراني الغربي سوف تبحث عما يوفر لها ولدول الخليج الحماية من النووي الإيراني, إما بابتياع سلاح نووي, أو بإقامة تحالفات جديدة تضمن انخراط السعودية في نظام حماية إقليمي جديد!!
استشهاد فريدمان بالراشد لا يفسره أبداً إعجابه ببنات أفكاره, أو باكتشافه «الضرورة» السعودية للتحالفات الجديدة التي يلوح بها الراشد دون أن يحددها, بل هو محاولة للقول دون مباشرة أو ضوح كامل, بأن ارتماء آل سعود في الحضن الإسرائيلي نهائياً وعلانية سيكون مشروعاً ومبرراً بعد التقارب الإيراني الأميركي الغربي, وكما لو أن هذا الارتماء أملته فعلاً «الضرورات « المستجدة.. أو كما لو أنه مستحدث وجديد, أو كما لو أن الرأي السياسي الإسرائيلي لم يعد أميركياً بل صار سعودياً, أو حتى كما لو أن آل سعود كانوا بانتظار اكتشافات الراشد وتصديقات فريدمان.. ليبرروا تحالفهم التاريخي مع إسرائيل ويبحثوا له عن سماسرة ووسطاء؟
صحيح أن الزلازل الطبيعية هي قرارات سماوية لا راد لها, لكنها في أغلبيتها العظمى ليست كارثية, بل تعيد تشكيل القشرة الأرضية عن طريق ملء الفراغات أو تسطيح المقعرات أو العكس ما يعني استقرارها, ومن المرجح للزلزال الجيوسياسي الذي يتحدث عنه فريدمان أن يكون عامل استقرار سياسي في المنطقة وإعادة تشكيل للقشرة العقلية التي تحكمها منذ عقود.. تلك القشرة التي أخفت على الدوام ما اعتمل داخل العقل السياسي الأميركي من نزعات السيطرة والهيمنة والاستحواذ, ولعل ذلك أيضاً يساهم في إعادة تشكيل القشرة العقلية عند فريدمان وتابعه الراشد, وبما يصوب عقليهما في تسمية الأشياء بمسمياتها دون إعماءات التلوين أو التبرج أو التقنع, فإذا كان ثمة حضور سياسي سعودي مؤثر في المنطقة وتشكيلاتها السياسية... فالفضل للمال الحرام مرة ولعقائد التكفير والإرهاب مرة أخرى.. وليس للعقل السياسي السعودي المفقود, فكثرة المساحيق لا تصنع من العبد سيداً! والرحمة لشاعرنا المتنبي :
لا تشتري العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد