خربوا المدارس والمستشفيات وقطعوا خطوط الطاقة ، لكنهم لم يطفئوا الأمل الكامن في الضمير السوري ، ضربوا شبكات الاتصالات والطرق والسكك الحديدية ، لكنهم لم يقووا على قطع التواصل بين أبناء الشعب السوري .
حاولوا أن يقيموا حواجز وجدراناً بين المناطق السورية ، لكن عرا التواصل كانت أقوى من كل محاولاتهم ، وسعوا الى نشر ثقافة الفتنة والفرقة بين الإخوة والجيران ، فكانت المحبة الأصيلة أقوى من كل شرورهم وأحقادهم الدفينة.
هذه هي سورية التي يحار العالم في قدرتها على الصمود لأكثر من عامين بعد أن تكالبت عليها قوى البغي والعدوان ، وبعد أن جيشت كل عناصر الإرهاب لضرب ذلك النموذج الأشد فرادة وتميزاً على امتداد التاريخ البشري.
هذه هي سورية العصية على كل أنواع الاختراق والخراب الوجداني نظراً لما يمتلك شعبها من سجايا ، وما حباها الله من قيم ومبادىء إنسانية تبعدها وتبعد أبناءها عن كل أشكال الحقد والكراهية والغدر والبغضاء.
صحيح أن الأزمة مازالت مستمرة ، وصحيح أن الإرهاب يضرب في غير منطقة من أراضيها الشريفة ، وصحيح أن قوى الشر مازالت تحشد كل ما بوسعها لإسقاط النموذج الوطني السوري ، إلا أن العالم الغربي ما زال حائراً أمام سر الصمود السوري ، ذلك الصمود الذي لا يمكن إلا للسوريين وحدهم أن يفهموه ،وأن يفهموا كنه الحقيقة التي تحافظ على هذا الترابط والرباط الأبدي بين أبناء الشعب الواحد .
هل فكر أحد دعاة القتل والتخريب كيف يتعامل السوريون في ظل الأزمة ، وكيف يلتقي المؤيدون والمعارضون تحت وقع المحنة التي يعيشون ، هل وقف أحدهم عند حادثة اعتقال أحد المسلحين من جانب الحكومة ، وكيف يسارع أهلوه ومعارفه للاتصال بأحد أبناء السلطة للتوسط في إخراجه من التوقيف متعهدين بعدم عودته لحمل السلاح مرة أخرى ، وهل وقفوا عند استجابة السلطات الأمنية لتلك الرغبات بغض النظر إن كان ذلك الموقوف سيقلع عن حمل السلاح أم سيعود إليه مجدداً .
وبالمقابل هل تساءل ممولو الإرهاب كيف تستجيب المجموعات المسلحة للمؤيدين في حال اختطاف شخص ما ويطلقون سراحه سواء بفدية أم تبادل أم نزول عند رغبة وجيه ما في منطقة ما بعد استثارة الحمية والأخلاق العربية الأصيلة لدى الخاطفين .
الصورة لا تحتاج شرحاً مستفيضاً، فرغم الخلاف والصراع المسلح إلا أن الروابط ما زالت أقوى من أن يفككها الساعون الى الدمار والخراب والقادمون من أحقادهم ومعتقداتهم التكفيرية والغرباء عن مجتمعنا وطبيعته .
المراهنون على سقوط سورية سيجنون السراب بعد أن أسهموا في دمار البنيان والعمار والمساكن والمستشفيات والمدارس والجامعات . لكن النصر سيكون في الختام من نصيب سورية وشعبها ، ذلك أن جوهرها صاف وأصيل ولا تخربه عاديات الزمن.