التي قالت ما أخفاه وأفصحت عما حاول أن يداريه فكاد أن يقول المريب خذوني، وهو الذي بيديه وضع ما يكفي من عصيّ في "عجلات لجنة التحقيق" التي طلبتها سورية.
ولم يكن متاحا الجمع بين هذا الذي يستجدي ويتوسل السماح للمحققين أن يدخلوا الأراضي السورية وذاك الذي أضاف ما املته عليه ضغوط الاميركيين والأوروبيين وما كانت تروج له تمنيات الإسرائيليين، وتحميل عمل المحققين ما لا طاقة لهم به، وما يخرج عن نطاق صلاحياتهم والمطلوب منهم.
كي مون في تباكيه استرجع ما فعله الأعراب والفرنسيون والأتراك وما يفعلونه حتى اللحظة في تباكيهم على الدم السوري الذي يسفكونه عبر مرتزقتهم وإرهابييهم، وكي مون كان يكمل الدور المناط به، وهو الذي ما فتئ يعمل ليل نهار على تمرير ما يتحرج الآخرون فيه، أو ما عجزوا عنه.
في لغة المفارقات يستطيع ان يسجل أنه كان الاداة الأكثر طواعية في يد الغرب على مدى وجود الأمم المتحدة، وبمقدوره ان يحتفظ لنفسه بسجل من لم يخالف الفهم الغربي لكل القضايا التي مرت عبر قاعات المنظمة الدولية، ويمكنه ان يدعي أنه لم يثر غضب الأميركيين ولا الإسرائيليين ولم يتجرأ يوماً على رفع صوته في وجه الجور الغربي على المنظمة ودورها .
لكن ايضا للعالم ان يسجل أن الأمم المتحدة في عهده "الميمون"سجلت أنها عايشت أمانة عامة هزيلة لم تكن حيادية في النظرة لقضايا الشعوب، ومارست عبرها صيغاً من التماهي مع املاءات الغرب ورواده المستحدثين.
كان يستطيع بان كي مون أن يوفر على نفسه هذا التباكي، وأن يخفف من مظهر تأثره، حفاظا على أعصابه وأعصاب من يأتمر بتعليماته ويفهم عليه اشاراته، وهو يدرك تماما أن ما ينفخ فيه يبدو دون قعر، وأن ما يستجدي فيه لا مبرر له ولا طائل منه، وأن ما أقدم عليه كان قرينة عليه أكثر مما كانت حجة معه.
بالتأكيد لسنا بوارد العودة إلى النبش في أوراق باتت من الماضي، لكن تقتضي الضرورة التوقف في مسار الأحداث، لأن ما يدعيه لا يقتصر على الكذب والافتراء فحسب، بل هو تزوير لوقائع وأحداث ومحاولة تغييب لقرائن وأدلة، خصوصا أن الأمانة العامة التي يقودها كانت خلف تعثر اللجنة وجزء من الأسباب التي حالت دون أن تباشر عملها، بعد ان افردت لمطالب الغرب وحججه الواهية مساحات جعلت من المهمة جزءا من تلك الحرب وصدى مباشراً لتداعياتها.
كثيرة هي المرات التي صمت فيها بان كي مون عبر وجوده على منصة المنظمة الدولية، وبعضها أو في أغلبها كان يقتضي منه ان يتكلم، ونستطيع أن نجزم أن صمته ذاك كان في أغلب الأحيان أفضل بكثير من كلامه، وكان من الأفضل له ان يلتزم بتلك القاعدة، وأن يصمت حين يدرك أن كلامه سيفتح عليه ما يوثق دوره المريب والمشبوه، و ما قد يكشف ما هو مسكوت عليه.
بين كلامه وصمته لا مجال للمقارنة، وبين تباكيه وسلوكه مساحات لا يمكن حصرها وأن كانت في نهاية المطاف تعكس وجهان لعملة واحدة، تضيف إلى سلال المنظمة وجع الغياب المزمن للإرادة والأدوار.
وتسجل على عجل ملامح «اللبيب» الذي أتقن مع السنوات اشارات الغرب وأدمن الاستجابة لنزواته في صمته وفي حديثه.
a.ka667@yahoo.com