و«يبشّر» على الأقل بأن سيل الانجراف خلفه لن يقتصر على انزلاق التحالف، وما يستتبعه من انهيارات موازية على جبهات السياسة.
الصفعة الباكستانية لا تُحسب في سياق التراجع عن وعود سابقة مقدمة، بقدر ما ترسم خطاً فاصلاً بين الوقائع على الأرض و التهور السياسي الذي تسير عليه منظومة التهور السعودي، التي لن تكتفي بما ترجمته رعونتها في العدوان الأخير، بل ستسحب الغطاء عن أفعالها المسكوت عنها، تتجاوز العقود المعروفة، لتصل إلى جذر وجودها وصفقات مهمتها الوظيفية.
الأخطر.. يظل الإرهاب الذي تكفلت به السعودية على مدى السنوات الماضية، والذي بات يفيض عن الحاجة الغربية، وبات يشكل هاجساً عملياً، حيث الأرقام المتداولة عن عدد الإرهابيين الغربيين من أصول متباينة يعكس واقعاً مأساوياً لكثير من المجتمعات الغربية، وإن كانت أغلب القناعات تتحدث عن الدور السعودي في التنشئة والمال الخليجي عموماً في التجنيد والتطرّف.
الأكثر وضوحاً منه أن أحجار الدومينو التي بدأت رحلة سقوطها المبكر تعود من حيث جاءت، وما بنته بالتراكم يعود إليها بالركام، وما جمعته في سنوات وربما عقود قد يتزاحم خراباً ودماراً في مضاربها ببضعة أيام، والحبل على الجرّار، ومؤشراته لا تقتصر على ما يطرق أبوابها اليوم أو غداً، بل بما راكمته عبر سنوات من التحريض والتكفير والظلامية التي تشمل مكونات الحراك السياسي والاجتماعي، وما يضمره من حرائق متحركة لن تبقى شرارة اشتعالها حيث هي!!
أكثر السائلين عن أسباب الموقف الباكستاني يجزمون أن المعضلة لن تتوقف عند حدود الصدمة التي تشكلها على المستوى السياسي والعسكري، بقدر ما تمتد لتشمل في العمق الخيارات والبدائل التي يجري الحديث عنها في الأروقة الخليجية عموماً بما فيها استئجار الشركات الخاصة لتأمين مقاتلين يشكلون الوقود لحربها وعدوانها، وأغلبهم يجزم بأن ضالتهم في الإرهابيين الذين موّلتهم ورَعتهم ودربتهم مضافاً إليهم كمٌّ من خبرات اكتسبوها في الساحات التي أشعلوها.
والخشية ليست من نقص أو غياب البدائل بقدر ما يتعلق بالهجرة المبكرة للإرهابيين، على قاعدة أن البضاعة التي صدّرتها السعودية إلى أنحاء العالم تعود اليوم أدراجها إلى بلد المنشأ وهو الأحق بها، بل الأكثر حاجة إلى خدمات الإرهابيين الذين دفعت مالاً ووقتاً وجهداً في سبيل وصولهم إلى ما وصلوا إليه، وهذا ما تعكسه المواقف الرائجة في «البروباغندا» الخليجية اليوم التي تعاكس وجه المنطق في لائحة شتائمها للموقف الباكستاني ومعه التركي ولن يطول الوقت حتى يلحق بالمصري أيضاً.
على المقلب الآخر تبدو خيارات الإرهابيين هي الأخرى على المسار ذاته، حيث لن يجدوا أرضاً يمكن أن تتحمل «موجبات» الجهاد أكثر من المدينة ومكة المكرمة، ولن يكون لهم أتباع وأنصار في موقع كما هو قائم في شعابهما، وستكون راية خلاصهما مسموعة ومطاعة في بقاع نشأتهم قاطبة، وهو مستحق اليوم قبل الغد، وهذا لا يدخل في نطاق الترويج السياسي بقدر ما يعكس قراءة عملية لما يُخطط له في أروقة الغرب التي أغرقت آل سعود في رمال رعونتهم المتحركة.
فمملكة الرمال لن تحتاج إلى استئجار الجيوش التي خرجت عن عصا الطاعة، ولا إلى الاستعانة بغيرها ممن لا يعترفون بعطاءات المشيخات السخية، ولا إلى من لا يقدر حجم هِباتهم المعلنة والمستورة، ولا إلى مفاوضات أو شروط وشروط مضادة، فالإرهابيون من أهل البيت الخليجي وقد خَبروا تربيتهم واكتسبوا تجربتهم ويصلحون للمهمة الوظيفية الملقاة على عاتقهم.
الفارق الوحيد في لعبة دومينو الإرهاب أن أحجارها المتساقطة شمالاً وجنوباً لا تتوافق مع رغبات السعودية، وليس لديها النية في التطابق مع أجنداتها وحاجاتها، وإن كانت منهم وهم منها، والركام الناتج لن يبقى أسير ساحات حربها المُعلنة، بل سيحول الساحة الخليجية برمتها إلى حقول تجارب تمهيدية يتحوّل فيها السقوط السعودي إلى أحجار دومينو مفخخة وقابلة لتفجير ماحولها وربما إلى أبعد من جوارها الإقليمي..!!
a.ka667@yahoo.com