وأصوات العويل في الداخل من المرتزقة والإرهابيين تدفع بهم لمزيد من الفحيح على حافة الهاوية التي تنتظر المنطقة والعالم حيال أي مغامرة.
وفيما كان الإيحاء الأميركي يتصف بازدواجية في التفسير تحفظ خط الرجعة إذا ما اقتضت الضرورة، كان التابعون والأدوات والأجراء قد أحرقوا مراكبهم منذ اللحظة الأولى بل سارعوا جميعهم إلى التهليل حين حضر الأميركي بذاته ليؤجج المشهد، بينما كانت إسرائيل تمد أصابعها باتجاه الزناد الذي لم تبتعد عنه يوماً.
اللافت أن طبول الحرب التي يقرعها القادمون والذاهبون معاً تستطيع أن تترجم بعض الهوامش الجزئية في المشهد، لكنها لا تبدو كافية لتروي ظمأ الغارقين في أوهام الاستعداد لليوم الموعود المنتظر الذي طالما كان يشكل حلماً استطال لدى البعض منهم إلى حدود التورم، حيث بدا الفحيح الغربي يسابق عويل المرتزقة ومشغِّليهم في المنطقة، بدءاً من تركيا وليس انتهاء بالمتربصين في السعودية وغيرها من مشيخات الخليج وصولاً إلى الأردن، الذي يوقدون النار في كنفه وبعلمه وحتى برغبته.
على الضفة الموازية كان السعار في قربة الكيماوي على أشده ومن كل الأطراف حتى إن الزوبعة الإعلامية أخذت بالسياسيين إلى غير موضع ودفعت ببعضهم إلى التورط بتصريحات ومواقف كشفت ضحالة مريبة وصبيانية غير مسبوقة، خصوصاً مع الحماقات التي تجاوزت كل الحدود، حين راهنت على فقاعة الكيماوي التي يحاولون أن تتحرك باتجاه ظاهرة مستجدة يمكن البناء عليها لتنفيذ العدوان.
المفارقة القائمة والتي تحاول تلك الأطراف أن تختبئ خلف إصبعها كلما لاحت في الأفق أنها جميعها تنتظر مغامرة الآخر، وجميعها تحرض بعضها على أن تكون في الواجهة، فإسرائيل تحرض الأوروبيين، والأوروبيون ينفخون في الرؤوس الإسرائيلية، والأعراب التي انتظرت حتى كاد اليأس يأخذها تنفخ وتحرض الاثنين معاً، دون أن تكلّ من سعيها المحموم لدى واشنطن ويترجمه حديث الحرب والعدوان الذي يعلو عند المسؤولين الأميركيين العسكريين والسياسيين على حدّ سواء.
في كل الأحوال ليس من الصعب فهم هذه الهستيريا، ولا ذلك القرع على طبول الحرب والحديث الصاخب عن العدوان من خارج مجلس الأمن في انكشاف واضح للخفايا التي تحكم مواقف تلك الدول، خصوصاً أنها تستبق التحقيق بمزيد من الكذب حول اخفاء الأدلة، لذلك وجدنا ذلك الاستهداف لفريق الخبراء الدوليين في أول مهامهم!!
العزف الغربي المزدوج على أصوات الطبول التي تقرع يشي بالنيّات، وربما يقدّم صورة أولية عمّا تمّ ويتمّ التخطيط له على مدى الأشهر الماضية، لكن ذلك لن يعدّل في الحصيلة ، ولن يغير في المعادلة القائمة بأن المغامرة ليست مجرد قرار، بل هي تداعيات تحمل في تفاصيلها المرعبة رسائل متعددة الأبعاد، وتقدّم العبرة في الاستفادة من تجارب الماضي، مع الأخذ بالاعتبار الظروف المختلفة، والمعايير المتباينة، لأن العدوان لم ولن يكون نزهة، ولا شهوة لبعض الرؤوس الحامية ولن يكون حلم يقظة لكثير من المستجدين على الحقل السياسي.
تسعة وعشرون شهراً ونيف مرت، وفصول الحرب تتلون وتتعدد وخيارات العدوان بأولوياته تتقدم وتتأخر حسب الروزنامة، أو وفق أمر عمليات تنسجه أصابع الاستخبارات، وتلوح به أذرع القتل وتتعدد فيه الأكاذيب من كيري إلى أوباما، لكنه على الأرض كان له قاموسه الخاص ومقدراته الخاصة وسياق تداوله الذي لا يتشابه فيه مع أي اعتبار آخر، فالخصوصية السورية تفرض حضورها وتضبط إيقاع المشهد الذي لا يسمح للأكاذيب بأن تستمر، ولا للصراخ والعويل والفحيح بأن تجدي، ولا للعدوان بأن يمرّ، وعواقبه الكارثية يدركها القاصي والداني.
a.ka667@yahoo.com