وخلال سنوات التحول الى اقتصاد السوق الاجتماعي بدا واضحاً أن الرهان على التدريب هو الوسيلة المثلى لتحقيق النمو والتنمية والسبيل الفعلي لاستيعاب التكنولوجيا واستخدامها بكفاءة عالية للمضي قدماً استجابة لمتطلبات التحول الاقتصادي والاجتماعي المنشود.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ينظر الى التدريب والانفاق عليه كنوع من أنواع الترف في مؤسساتنا؟ أم أنه استثمار ذو عوائد حقيقية ومحرك الاداء والفاعلية؟
اذا كان المقياس هو ما ينفق من الموازنة العامة على التأهيل والتدريب في القطاع العام، فإن هذا الانفاق حتى الآن رغم تواضعه لا يصرف في مكانه الصحيح، ومازالت برامج التدريب في إطارها الشكلي لا الفعلي وذلك اما لعدم قناعة الادارات أحياناً بأهمية التدريب. وإما لصرفه في تدريب غير معمق وعدم الاستفادة منه في زيادة الانتاجية والمردود الاقتصادي، اضافة الى غياب برنامج أو خطة تدريبية وعدم النظر الى التدريب كمنظومة متكاملة تبدأ من تحديد الاحتياجات التدريبية والتخطيط للتدريب وتنفيذه ومن ثم قياسه وتقييمه.
فإذا أردنا النجاح لعملية التدريب والتأهيل لابد من النظر اليها على أنها أحد مقومات التنمية والتطوير وتوظيفها للمصلحة العامة، وبالتالي عدم اعتبار الانفاق على التدريب كترف بل كاستثمار ذي عوائد حقيقية، وليس من الضروري أن تظهر هذه العوائد خلال سنوات محددة، بل إن أثرها يظهر عبر زيادة الانتاجية وتقليل الهدر والفاقد واستغلال الموارد المتاحة الى أقصى حد ممكن.
من هنا تبرز ضرورة زيادة الانفاق على التدريب والتأهيل، ولكن بطريقة صحيحة وعلمية وبشكل منهجي يؤدي الى استثمار نتائجه.
فما زالت الآليات المعتمدة في الانفاق على التأهيل والتدريب غائبة أو مغيبة، والاعتمادات المخصصة لها لا تنفق بالشكل السليم أو يتم نقلها بموجب مناقلات الى اعتمادات وبنود أخرى في الموازنة خلال العام المالي وهذا ما يشكل تجاهلاً لكل التعليمات والقرارات الداعية للاهتمام بالتدريب.
وبنظرة موضوعية لكل قطاعاتنا الانتاجية والادارية نجد أن الكثير من كوادرنا المدربة قد استقطبها القطاع الخاص أو بحثت لها عن فرصة عمل خارجية نظراً لغياب محفزات التدريب، فكثيراً ما نرى الضجر بادياً على وجوه بعض المرشحين لحضور برامج تدريبية إن فرضت عليهم، لأنها في بعض الأحيان تكون بدافع الابعاد والتهميش وبعيدة كل البعد عن المصلحة العامة.
إن نجاح أي برنامج للتدريب والتأهيل مرتبط بتحويل العاملين من مجرد التعامل مع ردود الأفعال.. الى مشاركين يساهمون في صنع الأفعال وهو بيت القصيد...