طبعاً هو مبدأ غير إنساني, لأنه يراهن على شد أعصاب البشر, ولو دون مبرر.. تصنع لهم عدواً وهمياً.. أو تضخّم من قوة عدوك.
مات «غوبلز».. النازي.. الألماني.. واستمر مبدؤه.. وهو يُمارَس على أعلى المستويات القيادية في العالم.. إقليمياً وعالمياً.
في عالمنا اليوم ما يمكن أن نسميه «صناعة الخوف».
هي صناعة لا تتوقف.. وتزدهر في فترات التسخين والصراع البارد من أجل زج القوى لتحقيق النصر السياسي أو العسكري.. يمكن أن نتذكر هنا الخوف الشديد الذي اعترى الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول الإرهابية.. هي لا شك أحداث مخيفة، لكن.. ساهم التوجه السياسي مستخدماً الإعلام في تضخيم حالة الخوف لدى الأميركيين وغيرهم، أيضاً لزج قوى عريضة تخدم السياسة الأميركية.. وقد أثر ذلك بالتأكيد في إعادة انتخاب جورج بوش «الثاني» وإدارته «المحافظين الجدد» لفترة حكم ثانية في الولايات المتحدة في عام 2004 وأيضاً ساهم في نشر سياسة هذه الإدارة التي قامت على الهيمنة والسيطرة والتجبر.
اليوم أيضاً تمارس سياسة صناعة الخوف للأغراض نفسها.
إسرائيل تمارسها لإبعاد السلام.. والتغطية على مشاريعها العدوانية واستمرار الاحتلال.. تمارسها على أتباعها وعلى العالم ايضاً.
الولايات المتحدة أيضاً تمارسها اليوم.
وقد كان التركيز في تحديد مصدر الخوف خلال الحقبة الماضية على إيران.. وبشكل مبالغ فيه جداً.. لدرجة أننا نسمع اليوم الولايات المتحدة ترد على الحذر الروسي من نشر أسلحتها في أوروبا.. بأنها لا تستهدف روسيا بل حماية العالم من الخطر الإيراني!!.
طبعاً قبل أن تحاول تعميم هذا «الخطر» المزعوم على أوروبا والعالم سعت لتعميمه في الخليج العربي والمنطقة عموماً.. ويتابع ساسة وإعلاميون الجهد في صناعة الخوف من إيران بالوقت الذي تتحاشى فيه أن تلامس الخوف الحقيقي المبرر العربي والإيراني على الأقل من الأسلحة النووية الإسرائيلية.
علماً أنه سؤال خطير موجه لإسرائيل والولايات المتحدة عن الأسلحة النووية حتى مع السلام.
بالمناسبة مدرسة صناعة الخوف ليست حكراً على النازية أو الفكر النازي.. هي مدرسة رأسمالية بامتياز.. تمارسها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي عبر تعميم رؤيتها أن تبقى خائفاً من الغد.. متلهفاً لأن تحمي نفسك بامتلاك كل ما تجده.. قبل أن يحصل عليه غيرك.. فتمضي العمر في سباق يحذوه الخوف من أجل أن تمتلك حتى ما لا حاجة لك به ولا فائدة منه.. أنت إنسان لن تستطيع أن تخرق الأرض ولا أن تبلغ الجبال طولاً.
يلفت النظر في المواقف السياسية الغربية اليوم أنها عوضاً عن التعامل مع مبادرات إيرانية تفتح أكثر من باب للمحادثات والتفاوض.. هي تزج باتجاه عقوبات دولية معتمدة بصورة رئيسية على ترويج الخوف من البرنامج النووي الإيراني..
وفي رأينا أنهم يخشون دولة قوية شرقية إسلامية تدخل الصناعة الحديثة من أبوابها العريضة.. هذا خوفهم الأول.. وليس الخوف من السلاح النووي..
a-abboud@scs-net.org