المنحى الأول يبدو داخلياً بامتياز، ويريد من خلاله أن يرضي عتاة المتطرفين ممن يحتاجهم لتشكيل الحكومة الجديدة، بحيث يملي شروطه عليهم، قبل أن يفكروا في طرح المزيد منها، في لعبة باتت مفضوحة وفاضحة..!!
المنحى الثاني دولي، ولا يمكن إغفال العامل التحريضي منه، باعتباره بوابة الضغط، التي يريد من خلالها التهرب من التزامات شكلت أحد وجوه المساومة على تعويمه، فيما العربدة وتداعياتها ستغلق الباب على ما مضى، وتشرعه أمام البحث عن تطويق آثارها المباشرة، حيث تطرح قواعد جديدة، تلغي ما سبقها.
المنحى الثالث ببعده الإقليمي، الذي أرادت من خلاله إسرائيل أن تقول إن قواعد الاشتباك السائدة لا تزال تخضع لمعايير الحسابات الإسرائيلية، وحرية الحركة المغطاة بضوء أخضر أميركي في ممارسة العربدة بكل الاتجاهات والمستويات، والمسكوت عنها دولياً، بما في ذلك تلك التي كانت تنظر بعين الريبة والانتقاد إلى تلك العربدة التي غاب عنها حتى التحذير من عواقبها.
فالمحسوم أنَّ نتنياهو لم يقدم على عربدته الأخيرة من باب المصادفة، بقدر ما كانت متعمدة لجهة التوقيت، التي أراد من خلالها كشف حساب مبكر مع خصومه ومحسوبيه من جهة الداخل الإسرائيلي، وتحاكي معها الخارج، حيث سيقيس على أساسها طريقة التعاطي مع الملفات المؤجلة، أو التي كان قد تمَّ ترحيلها إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وبعضها على الأقل آن أوان استحقاقها.
الفرق لا يتوقف على المحاكاة الإسرائيلية في عربدتها تلك على السياق السياسي وردة الفعل، بل ينسحب على كامل المشهد الإقليمي، باعتباره عدواناً موصوفاً في موقعه واستهدافه، ويفتقد الذرائع التي كان يسوقها لتبرير عدوانه المتواصل، وهو ما يترك الحبل على غاربه لجهة التداعيات والاحتمالات، التي كانت ممسوكة في الماضي بقواعد اشتباك انتهى العمل فيها، حيث تتجاوز في مفاعيلها المشهد التقليدي في الإدانة والاستنكار، وتصل حدّ المباشرة في خطوات عملية، ومن العيّنة ذاتها، والتي لن تكتفي بقلب الطاولة، بل ستعيد تشكيل الكثير من المعادلات وترتيب العديد من الحسابات.
العربدة التي أقدم عليها نتنياهو، تضع نقطة ومن أول السطر وتبتدئ فصلاً جديداً منفصلاً عن سابقه، وإن كان متصلاً لناحية ما راكمه، لكنه بالتأكيد يختلف في الطريقة والأسلوب والوسيلة والأدوات والمحاكاة عن سطوره السابقة، حيث يرتسم المشهد من تداعيات التوصيف الإسرائيلي ذاته، ولن ينتهي عند حدود الخطوط الحمر التي انتهت صلاحية استخدامها.
الكيل طفح، والكأس لم تعد تتّسع، ونقطة البداية في السطر الجديد أنَّ ما بعد العربدة ليس كما قبلها، وما يعول عليه نتنياهو يزيد من هشيم المشهد الإقليمي، الذي يتداعى أمام ناظريه، فأمر الغد بات مطلوباً اليوم، وما كان مؤجلاً أصبح مستحقاً وملحاً وضرورياً، وهو في صلب الأولويات التي تعيد ترتيب اصطفافها كجزء من المواجهة، وربما في صلبها، حيث ذراع العدوان الإسرائيلي لا بدَّ من كسره وكفّ اليد التي تحميه..!!
a.ka667@yahoo.com