فلماذا يذهب «فلاسفة» ائتلاف الدوحة ومجالس اسطنبول من السوريين بأرجلهم إلى التهافت.. من باب فلسفة التهافت وإلى البؤس من باب فلسفة البؤس؟
آليات الديمقراطية وممارساتها وصناديقها وأوراقها وطقوس تنفيذها لم تستغرق إعداداً سوى ساعات في العقل السياسي الأوروبي, الذي تعلم وعرف جيداً أن إسحاق نيوتن درس وجرب السقوط الحر عشرين عاما ليكتشف بعدها قوانين الجاذبية.. قبل أن تسقط التفاحة على رأسه في لحظات كما تعلمتم أنتم وكما تتوهمون.. ومع ذلك تدعون اكتشاف قوانين الاجتماع الإنساني بأسرع من سقوط التفاحة!
حوار الآخر وقبوله وتداول السلطة وإدارة شؤون الحياة والخير العام دون دوشكا وبي كي سي وآر بي جي, استغرق اربعمئة عام في العقل السياسي الأوروبي, الذي يعرف جيداً أن فلسفات البؤس والشقاء وبؤس الفلسفات وأشقيائها توالت وتوالوا على هذا العقل نحتاً وصقلاً وتلميعاً, قبل أن تنتقل به من حريات مارتن لوثر المتمردة مطلع القرن السادس عشر, وصولاً إلى تصويتات مجلسي العموم واللوردات البريطانيين أوائل القرن العشرين برفع الأيدي أو بأوراق في الصناديق.. وليس أشكال بؤس العناوين وفلسفة التصريحات وتهافت تضليلات الصور الفضائية المفبركة في عقولكم!
جنيف ليست قوس نصر ولا أنتم نابليونات القرن الحادي والعشرين, ولا هي حفل كوكتيل يقام على شرفكم بعد تسلمكم السلطة ومفاتيح الشام علانية, ولا هي حصان طروادي سري تتسللون به ومنه.. جنيف في سويسرا وعلى بعد آلاف الأميال من سورية وليست «سوق جمعة» في ساحة خلفية من دمشق!
جنيف مائدة حوار متواضعة وعابرة في رحلة العقل السياسي السوري الطويلة إلى قبول الآخر, إلى الديمقراطية بالوعي قبل الصناديق والأختام, واحدة من آلاف موائد الحوار التي شهدها العقل السياسي الأوروبي, الذي ترونه ولا تعرفونه, وفي قرون من السنين.. وليست توقيعات سريعة في ساعات على أوراق بيضاء كما تتوقون وتطمعون!
لا أدعو إلى أربعمئة عام أوروبية أخرى من فلسفات البؤس وبؤس الفلسفات في سورية, بل إلى حرق مراحل تؤدي إلى وعي الديمقراطية قبل صناديقها.. تماما ًكالألف وأربعمئة عام التي تعدوننا بحرق مراحلها في رحلة العودة إلى وعي دولة الخلافة, ولا فرق بيننا هنا سوى.. اتجاه المراحل وأدواتها والدم السوري المسفوك.
مزاحكم ثقيل, أتريدون تعليمنا الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان بخمسة أيام.. تماماً كما تعلمتم لغات ولكنات العواصم التي تلوذون فيها.. وتريدون منا أن نصدق أن ما تقولون هو فلسفة المعارضة لا بؤسها, أم تريدون العودة بنا إلى الخلافة والشورى بياقة بيضاء وربطة عنق وعطر باريسي.. وحينئذ, ما حاجتكم إلى البكاء على أطلال الديمقراطية؟