وكما لو أنه من الطبيعي والصحي لكل معارضات الأرض أن تختلف وتتباين وتتنافس وتحتكم إلى الصناديق إلا المعارضة السورية فإن عليها أن تتوحد أو تتفق أو تتحالف على الأقل!
تعجز أميركا فتتهم المعارضة السورية بالتشتت, وتعجز أوروبا فتدفع بالاتهام ذاته, ويعجز حتى الأذناب والأدوات من أعراب وأتراك فلا يجدون سوى تشتت المعارضة مشجباً لتعليق الفشل.. ثم لماذا يجب أن تتوحد المعارضة السورية حين تتخاصم المعارضات فيما بينها في البلدان والمجتمعات الأخرى, ولماذا ينبغي على المتطرف أو حتى الملتزم دينياً ومذهبياً أن يتحد مع القومي ومع الليبرالي ومع الشيوعي ومع غيره من جوقة المعارضة في سورية؟
ثم بماذا وعلى ماذا يتحدون؟ هل يتحدون بالخلفيات الأيديولوجية لكل طيف منهم وهي متناقضة متعاكسة إلى حد التوازي الرياضي المطلق والمجرد وغير القابل أبداً للتقاطع في أي مكان أو في أي زمان أم يتحدون على برنامج سياسي واحد.. أشك أن في مقدور.. حتى السماء أن تصوغه أو تجد له ثوباً ومخرجا دون أن يكون نصاً من صناعة مجانين؟؟
إذا كانت أطياف المعارضة إياها قابلة ولو للحظة واحدة أن تتوحد وتلتقي وتحافظ على توصيفها كمعارضة.. فإن ذلك لن يحدث إلا في حالين اثنين لا ثالث لهما, فإما أن ينافق الطيف الواحد منها بقية الأطياف الأخرى ويداهنها على حساب منظومته الأيديولوجية والعقائدية وبرنامجه السياسي, فلا يعود ثمة فرق بين ديني ومذهبي وعلماني ولا بين قومي وأممي وليبرالي, وهذا ما يحدث اليوم وإلى حد كبير, وحينئذ لا تعود المعارضة أطيافاً وخلفيات وبرامج سياسية، بل « دوكما « على طريقة كومة الحمص أو البصل ليس إلا, ولا تعود معارضة بالمعنى السياسي تاريخياً أو في أدبيات الفكر السياسي، وإما أن يتحد جميع هذه الأطياف ضد طيف واحد ثان هو النظام القائم والدولة الراهنة، وهذا إقصاء معلن وإلغاء مفضوح لهذا الطرف ومن والاه فكراً وموقفاً.. ينسف كل معاني ومفاهيم الديمقراطية والتعددية التي صدعوا رؤوسنا بها طيلة السنتين, وأيضاً لا تظل المعارضة هنا معارضة، بل تصير تحالفاً من أجل الانقلاب فقط.. وهذه وصفة سامة وبوابة واسعة إلى الفوضى المدمرة!
أتساءل عمن بح صوته وحفيت قدماه من الأميركيين والأوروبيين الغربيين خاصة, وهو يدعو أطياف المعارضة السورية إلى التوحد والاتحاد.. لماذا لا يدعو معارضاته السياسية هو إلى التوحد والاتحاد أيضاً في بلاده, ولماذا علينا أن نصدق أن ما يراه مرضاً في أجسادنا يراه صحة وعافية في جسده, وهل تدرك أطياف المعارضة السياسية السورية جميعها هذه المفارقة الصارخة.. بل هذا الفخ؟
إن كان ثمة نقاط قوة لا تزال أطياف المعارضة السورية تحتفظ بها فهي في أنها لم تجتمع بعد في «شوال» واحد يحمله الأميركي أو الإسرائيلي أو حتى الخليجي بسهولة ويسر.. ونصيحتي لجملة هذه الأطياف أقدمها لوجه الله.. يوم تتوحدون جميعاً سيكون يوم سقوطكم المدوي.. جميعاً!!