تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بين الشعبي والجماهيري

الافتتاحيــة
الثلاثاء 16-7-2013
بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم

اتسمت علاقة الحزب بالسلطة بالمسكوت عنه، وغاب الحديث عنها بشكل قسري ولفترات طويلة، وانسحب الأمر على البعد الجماهيري الذي غاب بدوره عن التداول، ليحلّ مكانه البعد الشعبي،

ومع غيابه كثرت التأويلات والاستنتاجات، ووصلت في بعض تجلياتها إلى الجزم بأن هذه العلاقة تدخل في باب "المحرمات،" وأحياناً تمّ تصنيفها في باب المؤجلات حتى إشعار آخر، وهناك من ابتعد في رمي سهامه نحو تسويق مقولة العقم في إعادة طرحها.‏

وأيضا لا ننكر أن الحاجة لفتح باب النقاش حولها باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت سابق، في ظل تهافت واضح على طرح مصطلحات تحاكي في واقع الحال الاتجاهات العائمة، التي تبحث عن صيد في ماء تزداد عكارته مع ارتفاع منسوب الضبابية في الصورة العامة.‏‏

لذلك جاء تسليط الضوء على هذه العلاقة ليفتح الباب على ملفات غالباً كانت طي الأدراج لوقت طويل، رغم الصخب والضجيج المتعالي من اتجاهات عديدة، ورغم وضوح غايتها في التشويه المتعمد لكثير من الثوابت والمبادئ.‏‏

لسنا بوارد العودة إلى جذر الأفكار بقدر ما هي محاولة - وتحت ضغط الحاجة الملحة - لتصويب العديد من الاتجاهات الخاطئة في تناولها، رغم اختلاف الدوافع، وربما العوامل التي تحرك تلك الدوافع، بحيث يلتقي خلفها وجنبها وربما أمامها الكثير من الظواهر المشتركة التي تخلق انطباعاً كاذباً بأن ما يجري هو نتيجة تقاطع التراكمات المحمولة على التجارب غير الناضجة أو غير الناجحة!!‏‏

في الواقع كان التوضيح ينطلق من محاولة تصحيح العلاقة مع القواعد التي أفرزت بدورها فهماً خاطئاً لقنوات التواصل معها، فخرجت الكثير من التفسيرات المغلوطة التي بنت معطياتها على الخطأ في الاستنتاج، ووصلت في بعض الأحيان إلى تعميم الحالة كجزء من تركيبة خطأ العلاقة كمقدمة للترويج للصورة المشوهة.‏‏

لا يستطيع أحد أن يدافع، بل ليس من الوارد أن تكون الغاية هي الدفاع عنها، لأنها تعرضت بالتأكيد لخطأ في فهمها وتأويلها، وعمدت أغلبية الأحزاب ذات القاعدة الجماهيرية إلى التسلح بالسلطة من أجل التغطية على جوانب الترهل التي نمت تحت أعين قيادتها، بعد أن انصرفت الأخيرة إلى مغريات السلطة، وتناست جوهر العلاقة القائمة، فيما كانت تتجاهل عن عمد القنوات الطبيعية للتواصل، إلى أن باتت هذه القنوات مجرد شاهد زور على تعديات العلاقة، واضمحلال الخطوط الفاصلة التي كانت تنزع نحو تغييب الفارق بين اداء الحزب والسلطة، ليبدو في نهاية المطاف أن أخطاء السلطة هي نتيجة طبيعية لسلوك الحزب.‏‏

الطرح بهذا المفهوم يحمل عنوانين جوهريين.. الأول يتعلق بالحراك السياسي القائم الذي يضغط على الأحزاب التقدمية والقومية باتجاه الاستيقاظ من حالة الانكفاء والخروج من سباتها الطويل لتنفض الغبار عمّا علق بالعلاقة بينها وبين قواعدها من جهة، وبينها وبين الأحزاب التي تتلاقى معها في كثير من القواسم من جهة ثانية.‏‏

والثاني يرتبط بما يتعرض له المشروع القومي من عوامل استهداف تجاوزت الأدوات التقليدية ووصلت إلى تقديم مقاربات تنحو باتجاه نعي هذا المشروع أمام زحف متواتر للمشاريع الأخرى بتعدد أشكالها ونماذجها، واقترن في بعض الأحيان بتسخين في أدوات الهجوم، حيث جاءت كبدائل تمّ الترويج لها بقاعدة شعبية استبدلت فطرة التنظيم بغريزة الحشد.‏‏

والعودة إلى الحديث بهذا المنظور لم تفرضها الحاجة الملحة فقط، ولا الغياب القسري والمتعمد فحسب، بل يأتي تتويجاً عملياً لتحولات صاخبة تحت السطح أفرزت بشكل تلقائي تسليط الأضواء في اتجاهات تمت التعمية عليها بتعمد، ووضعت الكثير من مسلمات المرحلة الماضية تحت المجهر في قراءة دقيقة اقتضت أن تسدّ الفراغ الحاصل عمداً في الجانب الفكري الذي استُبعِد خلال العقود الماضية تحت قصف متواتر من مقولات التيئيس الواضح والمدروس، بعد فشل تجارب تاريخية كانت في مقدمتها التجربة الشيوعية وما نتج عنها.‏‏

وهذا انسحب أيضاً على الأحزاب القومية والوطنية بطريقة أكثر قسوة في استبعادها، والترويج لحالة إفلاس حزبي وسياسي مزدوج، امتدت إلى صلب العلاقة بين الحزب مهما يكن وجوده وبين السلطة، وصولاً إلى تفخيخ العلاقة مع القواعد الجماهيرية التي ما فتئت تبحث عن نفسها دون جدوى، وكادت تغيب عن الساحة كلياً أدوار الأحزاب لمصلحة النموذج الغربي في الاحتكارات واللوبيات المتعددة، التي قدمت نفسها على أنها النسخة المستحدثة من الأحزاب، لتغيّب على نحو مماثل قواعدها الجماهيرية.‏‏

هنا صلب المسألة.. وهنا الرهان القائم على فرضية العلاقة ببنيتها الجماهيرية، وليس ببنية السلطة, حيث الجماهيرية كانت وستبقى أكثر وثوقية من مرادفتها الشعبية, التي حاولت الحلول مكانها، والفارق يكبر كلما أتقنا إنتاج علاقة قائمة على بعدها الجماهيري، وليس على مغانم اكتنازها السلطة وتشوهاتها، ولا على عداد القوائم التي تصلح ذاتها لتكون في مكان آخر بعيد كل البعد عن مدلوله.‏‏

a.ka667@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 علي قاسم
علي قاسم

القراءات: 7094
القراءات: 1014
القراءات: 1172
القراءات: 958
القراءات: 959
القراءات: 946
القراءات: 1077
القراءات: 909
القراءات: 847
القراءات: 945
القراءات: 993
القراءات: 878
القراءات: 817
القراءات: 867
القراءات: 1071
القراءات: 950
القراءات: 768
القراءات: 957
القراءات: 979
القراءات: 1039
القراءات: 994
القراءات: 872
القراءات: 1042
القراءات: 951
القراءات: 1082

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية