إلى جانب عدد العائلات المستفيدة اقتصادياً وحجم الأموال أو المساعدات التي تصل إلى عائلاتهم؛ وسواها من المعلومات التي يفترض توفرها للاستفادة منها في الأبحاث والدراسات التي يمكن أن يعمل البعض على إنجازها، لكن للأسف يبدو أن دور الوزارة في هذا الجانب كان ومازال معطلاً على الرغم من أهميته... بمنأى عن المعلومات التي يتعين حضورها... وبعيداً عن الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي ينعكس إيجاباً على أهالي المغتربين في الوطن,.. ماذا عن الآثار السلبية الناجمة عن هجرة العمال أو حتى أصحاب الخبرات والكفاءات على الاقتصاد الوطني.. ولو كانت الفرص الفعلية متاحة.. هل كان سيفكر هذا الشاب أو ذاك بترك الوطن؟!
الأمر المعروف، أن الغالبية لا تترك أرض الوطن عن طيب خاطر ولا رغبة منها في التوجه إلى بلدان غريبة الهوى والهوية، وإنما هناك رزمة من الأسباب والمبررات التي تجعل هوس السفر يسكن قلوب وعقول نسبة كبيرة لم تفلح في الحصول على فرصة عمل لائقة أو مقبولة أو حتى فرصة من شأنها توفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، وهناك مئات الآلاف، كانوا قد استدانوا مبالغ طائلة من أجل الحصول على (فيزا) أو من أجل الفوز بعقود عمل تمكنهم من الحصول على إقامات دائمة في البلدان التي يقصدونها. بيت القصيد من الوقوف على هذه التفاصيل القول: إن الوصول إلى غاية السفر وتحققه كان أيضاً مسبوقاً برحلة طويلة من العناء والمشقة، فالحصول على عقد عمل مسبق وخاصة للعمال العاديين، غالباً ما يكون مسبوقاً بتسديد مبالغ خيالية لمكاتب وشركات متخصصة في توفير هذه العقود أو (الفيزا) وهناك عائلات قامت باتباع أساليب متعددة واللجوء إلى خيارات صعبة لتوفير المبالغ المطلوبة، وثمة نسوة بادرن ببيع مصاغهن من الذهب لتوفير المال لأبنائهن، ولا يخلو الأمر أيضاً من الاستدانة، ذلك أن الفاتورة المطلوبة عالية جداً وقد تتجاوز مئات آلاف الليرات أو حتى المليون في بعض الحالات.
ولأن غالبية من يهاجرون ليسوا على سوية واحدة في الكفاءات والخبرات والقدرات والتحصيل العلمي أو الدراسي، فإن شريحة بعينها تلقى تسهيلات كبيرة وغالباً لا تكون بحاجة إلى بذل الجهود التي تحدثنا عنها، خاصة في حال تعلق الأمر بالهجرة وليس بالسفر، حيث تفرض بعض الشركات والمؤسسات وحتى المنظمات الدولية رزمة من الشروط، قد يكون أصحابها إما من أصحاب رؤوس الأموال أو من أصحاب الشهادات العليا والكفاءات العلمية، فأمثال هؤلاء غالباً ما يذهبون للإقامة الدائمة ويحصلون على جنسيات البلدان التي قصدوها، وبهذه الحالة وبدل أن يستفيد الوطن من هذه الإمكانات والقدرات، فهي ذهبت لتسهم في رفاهة بلدان أخرى، وهنا لا يمكن تحميل المسؤولية لهؤلاء أو تشجيعهم إلى العودة، لأنهم لو وجدوا الشروط الصحيحة للعمل في بلدانهم لما غادروها، سواء تعلق الأمر بأصحاب القدرات العلمية أم حتى أصحاب رؤوس الأموال، ومثل هذا الأمر بالذات كان قد شجع منذ سنوات على إحداث وزارة المغتربين وتنظيم مؤتمرات للبحث في الآليات التي يمكن من خلالها الاستفادة من إمكاناتهم العلمية والطبية وتشجيعهم على الاستثمار في الوطن الأم، وفي حال نبش الذاكرة جيداً، سوف نعثر على توصيات أُقرت في مؤتمرات سابقة للمغتربين من أجل جذب المغتربين من خلال برامج عمل محددة، لكن وللأسف، ليس هناك ما يشير جدياً إلى الاستفادة من هذه الطاقات التي لا تقدّر بثمن، وبهذه الحالة، كانت الحكومات المتعاقبة سبباً في هجرتهم لعدم توفير الشروط الاقتصادية والتنموية والاجتماعية التي تمنعهم من الهجرة، إلى جانب أنها اليوم مقصرة لعدم الاستفادة من خبراتهم ومن مبادراتهم التي أطلقوها خلال زياراتهم المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة.
في كل الأحوال، لا بد من إعادة إنعاش الأنشطة التي من شأنها استقطاب المغتربين والاستفادة من قدراتهم على غير صعيد، خاصة، أن المعلومات التي بين أيدينا تشير وبكثير من الوضوح، أن العمالة السورية المهاجرة إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي، تشكل النسبة الأكبر من مجموع المهاجرين سواء كانوا من العرب أم الأجانب، وقد تمكنوا على مدار عقود من تأسيس شركات تجارية وإحداث معامل تقدر أصولها وموجوداتها بمليارات الدولارات، وهذا الواقع يبقى لا يقارن بما حققه الذين توجهوا إلى البلدان الأوروبية أو القارة الأميركية, حيث ذاع صيتهم في التجارة وفي الصناعة وفي تبوء مناصب علمية رفيعة جداً،..ويبقى السؤال: متى نعمل على خلق الشروط والظروف المناسبة التي من شأنها أولاً: وقف نزيف هذه الهجرة.. وثانياً: إعادة جذب المهاجرين وتشجيعهم للعودة إلى الوطن الأم، حيث الأحبة والخلان وذاكرة المكان؟
marwandj@hotmail.com