ما هو متاح لديها من الوسائل بات السؤال الكبير الآن مطروحاً: هل هناك ممنوعات تواجه المدافع في معرض ادارته لمعركته الدفاعية، وخاصة أن المعتدي لم يترك وسيلة ممكنة الا و لجأ اليها بعد ان استطاعت اميركا ان تحشد جيشا من الارهابيين تعدى عددهم عشرات الالاف من المسلحين ، حشدوا من عرب ومسلمين بعد ان تمكنت الآلة الاعلامية الغربية مع قرينتها العربية من تضليلهم، وبعد ان نجحت مصارف النفط الخليجي من تحويلهم الى مرتزقة يعملون كمجرمين قتلة.
أ. ولتسهيل البحث نذكر بالاساليب التي لجأ اليها الارهابيون المنضوون في «جيش الارهاب الاميركي الحر» طيلة الشهور الـ 16 الماضية وهي كلها تشكل خرقا فاضحاً لقانون الحرب، ولقواعد الاخلاق والانسانية، هذا فضلاً عن انها في الاصل تعد انتهاكاً فاضحاً للقواعد الشرعية الاسلامية، حيث ارتكبت من قبلهم:
1) عمليات الاعتداء على الابرياء من المدنيين والمواطنين السوريين وغير السوريين من المقيمين او العابرين، عبر خطفهم وقتلهم، والتمثيل بالجثث بشكل شنيع خلافاً لما نهى عنه الاسلام بالحديث الشريف من حرمة التمثيل بالجثة حتى ولو كانت لكلب عقور.
2) عمليات خطف النساء واعتصابهن دون مراعاة لشرف او ذمة او دين او حتى حرمة مسجد، كما حصل على سبيل المثال في حمص.
3) عمليات السلب واحراق المؤسسات العامة، والملكيات الفردية، وتدمير اجزاء كبيرة من البنى التحتية في الاماكن التي تمكن الارهاب من السيطرة عليها لبضعة ايام قبل ان تتمكن قوات حفظ النظام من استعادتها الى كنف الدولة.
4) عمليات تهجير السكان وممارسة الفرز العرقي والطائفي والمذهبي، التي نفذت عملاً بالعقيدة التكفيرية التي تقوم على اساس ان كل من ليس منهم يحل دمه وماله وعرضه لانه كافر.
5) والأخطر مما تقدم تبقى المجازر التي ارتكبها الارهابيون والتي تعدت وظيفتها مسألة القتل والسرقة والاغتصاب واجراء الفرز والتهجير، الى وظيفة أخرى حيث سخرت في خدمة المشروع العدواني ضد سورية، والذي وجد اصحابه انفسهم بحاجة الى متكئ يسمى «الشرعية الدولية» المتمثلة في قرارات مجلس الامن، هذا المجلس الذي حولته اميركا منذ نيف وعقدين من الزمن الى دائرة ملحقة بها تعمل وفقا لارادتها لتأمين المصالح الاميركية.
وكي تنتج اميركا بيئة تمكنها من استصدار القرار الملائم لها كانت – كما فعلت في لبنان سابقا- تلجأ الى الايعاز لجيشها الارهابي في سورية بارتكاب مجزرة في كل مرة يدعى فيها مجلس الامن للانعقاد للنظر بالمسألة السورية، مجزرة تتهم بها، افتراء وتلفيقاً، الحكومة السورية من اجل تسريع اتخاذ قرار تحت الفصل السابع ضدها، مجازر ادمنت اميركا عليها حتى بات الدم السوري – وفقاً للسلوك الاميركي – الوقود الذي لا بد منه لانضاج طبخة الكيد والانتقام من سورية. فكان دم يراق حتى يأسر النفوس ويعطل التفكير والبحث عن الحقيقة، و يسهل اتخاذ القرار الاممي العقابي الذي تريده اميركا ضد الحكومة السورية.
لكن اميركا فشلت حتى الان باستخدام المجازر الوحشية التي ارتكبتها ايدي ارهابييها ضد الشعب السوري، فشلت في توظيف تلك المجازر في مجلس الامن بسبب وعي روسيا والصين اللذين باستعمالهما الفيتو او التلويح باستعماله عطلا مفاعيل تلك المجازر في المجلس، لكن المجازر استمرت في وقعها القاسي والمؤلم، نتيجة زهق الارواح واراقة الدماء.
والان يبدو ان للمجازر الاميركية في سورية دوراً جديداً تعدى الوظيفتين السابقتين، دور يتمثل بنية الانتقام من شرائح الشعب السوري التي تظهر تمسكا بحكومتها و تأييداً واحتضاناً للجيش العربي السوري في مهماته الامنية القائمة، ورفضاً لكل اساليب العنف والارهاب المرتكب ضد سورية بشعبها وثرواتها وسلطتها.
وبهذه الوظيفة الثالثة تعدت المجازر ما كان محددا لها على يد الصهاينة في فلسطين ومنها الى لبنان، اذ ان اميركا قائدة «جيش الارهاب الحر» في سورية، باتت تتخذ المجازر في وظائف ثلاث: قتل من اجل الترويع والتهجير الذي يسهل التقسيم لاحقاً، اراقة الدماء من أجل التوظيف السياسي ضد الحكومة السورية، المعاقبة والانتقام ممن يستمر على تأييده للدولة في سورية.
ب. في ظل هذا المشهد و انطلاقا من وجوب التسليم والاقرار بان في سورية حرباً حقيقية وليس تمرداً او فوضى عابرة، ان فيها حرباً يخوضها ما سمي «جيشاً» جمع فيه سوريون وغير سوريين من المرتزقة والارهابيين والمضللين بقيادة اميركية، ويواجهه فيها من هو مولج بالدفاع عن وطنه، نعود الى السؤال الأساس، بحثاً عن القواعد التي تحكم المعركة الدفاعية التي يخوضها الجيش وقوى الامن السورية لدفع العدوان ونرى أولاً وجوب التذكير بالقواعد الاساسية التي تشكل العامود الفقري لقانون الحرب والتي هي قاعدة الضرورة، وقاعدة التناسب والملاءمة.
وفي الأولى نجد ان إعمالها يفرض امرين: الاول ضرورة القيام بالعمل اللازم للدفاع، اي عدم تسييب الامر وتركه يتفاقم، والثاني استعمال الوسيلة التي تكون ضرورية في المعركة من أجل تحقيق النتائج المرجوة التي هي وضع حد للعدوان وتطهير البلاد من آثاره، اي يجب استعمال كل وسيلة او سلاح ضروري للنجاح في المعركة.
اما في الثانية فينبغي ان تكون الوسائل المستعملة متناسبة مع الاخطار المتشكلة، ولا يكون في الاختيار والاستعمال افراط او تفريط.
وهنا لا يكون من حق المعتدي ان يفرض على المدافع اي سلاح يستعمل في الدفاع خارج هاتين القاعدتين حيث ان قاعدة الضرورة تفرض، وقاعدة الملاءمة والتناسب تضبط الاختيار، وطبعاً وعلى المقلب الاخر لا يكون عدل او تناسب ان يعمل بما افتى به شيخ من شيوخ الوهابية «بجواز قتل الثلث من اجل حياة الثلثين»، بل ان القتل المسموح به ينبغي ان لا يتجاوز حدود الضرورة والنناسب الملائم لتحقيق الهدف الدفاعي، ولا يمكن القبول بقتل جريح او اسير لانه خرج من المعركة، كما انه لا يمكن الا مواجهة المسلح المتمسك بسلاحه والمصر على القتال.
وانطلاقا من هذه الضوابط، ونظراً لحجم جيش الارهاب ولاعداد المسلحين المنضويين فيه ولاساليبهم في القتل وللخسائر التي يحدثونها، فان القوى السورية المختصة بالدفاع باتت ملزمة بالتقيد فقط بقواعد الحرب التي ذكرنا دونما اعارة بال لتهويل او تهديد يأتي من الجهة قائدة العدوان واتباعها، وهنا نرى في مارافق ما حصل في التريمسة امر يتوجب التوقف عنده لجهة الاعلان عن جزئيات المشهد وفرزها بين:
- مجزرة مدانة قام بها الارهابيون ضد ابناء البلدة عقابا لهم على تأييدهم للجيش والدولة، ولاستغلالها في مجلس الامن الدولي ليلة انعقاده.
- وعملية امنية نوعية ناجحة قامت بها القوات المختصة لملاحقة هؤلاء الارهابيين، وقتل من اصر على المواجهة والقتال، وتوقيف من ألقى السلاح ونقله سالماً خارج ميدان المعركة، ثم صدور بيان عسكري بنتائج العملية تأكيدا على ان الجيش بات ينظر الى ما يحصل ويتعامل معه على اساس انه الحرب وان من فيها عدو يريد تدمير سورية.
لقد كان ملحاً اجراء هذا الفرز لاظهار الحقائق ونسبة المجزرة لأصحابها الارهابيين وادانتهم، والاعلان عن نجاح العملية الامنية وعن نتائجها واعداد الارهابيين الذين اخرجوا من المعركة قتلاً أو أسراً أو فراراً، لان في الاعلان هذا تأكيد على الثقة بالنفس والقناعة بعدالة ومشروعية العمل الدفاعي الذي تقوم به الدولة ممارسة لحقها وصلاحياتها ورسالة «لجيش الارهاب الحر» وقيادته الخارجية بان القرار السوري باجتثاث الارهاب الذي اتخذ واعلن عنه في الاجتماع الاول لمجلس الشعب هو قرار لا رجعة فيه، وان سورية قادرة على السير قدماً في التنفيذ وهي لم تستعمل حتى الآن الا نذراً يسيراً من قدراتها الدفاعية، كما انها لن توفر وسيلة مشروعة اذا الجأها الظرف الى استعمالها ودائماً وفقاً لقواعد الضرورة والتناسب وفقاً لقانون الحرب.
* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي