وهو ما يحلو للبعض أن يصفه بهدوء ما قبل العاصفة في دلالات متعارضة ومتعاكسة،
تترجم في النهاية إحساساً متزايداً بالخيبة لدى الكثيرين ممن روّج لمغالطاته، وبالغ في استنتاجاته على وقع موجات من التخمين المتسرّع للعوارض السياسية التي طفت في الأيام الأخيرة من العام المنصرم.
هذا الهدوء لا يعكس بالضرورة الكفّ عن المحاولة، وإن كان يؤشّر إلى المنحى الذي التزمت به، بحكم الأمر الواقع بما يعنيه ذلك من انكفاء نتيجة غياب الأفق من جهة، والإحساس المسبق بالفشل من جهة ثانية.
فالتحضير لجولة جديدة لم يأخذ الوقت الطويل، إذ لم تكد تغيب تأثيرات التسريبات الماضية حتى ظهرت مجموعة جديدة، لكن الفارق أنها هذه المرة محمولة على سطح تكهنات جديدة لا تلغي ما سبق، ولا تضيف إليها ما يبرر إعادة استخدامها.
واللافت ان عملية التسويق تتمّ بالآلية ذاتها مع إصرار على حشر التمنيات والرغبات في المقدمة، في مراهنة جديدة على إعادة الزخم إلى سوق التكهنات، وفق معادلة تدّعي أنها تعمل على استنباط أخطاء الماضي والاستفادة مما تراكم من تفاصيل لم تتوضّح معطياتها بعد، رغم قلتها.
في القراءة المتأنية نستطيع الجزم بأن ما استدرج تلك المواقف إلى خانة الإحباط ليس الفشل الذي واجهته على اتساعه، ولا فقدان جدوى النفخ في القربة المثقوبة على أهميته، بقدر ما يعكس إسقاطاً كلياً لكثير من الحوامل التي كانت تتذرع بها لنشر تلك الأكاذيب والتسريبات والتكهنات الخاطئة.
فالرهان على تغييرات هنا أو هناك في هذا الموقف أو ذاك، وتحديداً في الموقف الروسي، قد تراجع كلياً بعد أن أكد هذا الموقف ثباته في المقاربات التي تبناها منذ بداية الأزمة مع تصعيد في حدّة المفردات التي ركزت عليها الدبلوماسية الروسية في الأيام الأخيرة.
وجاء الفشل في تحقيق أي خطوات على الأرض، والخسائر المتلاحقة في الميدان، والإفلاس في تحديد ساعات الصفر ومن كل الألوان، ليضيف عاملاً مؤثراً وواضحاً في تراجع حدة التكهنات، خصوصاً بعد انكشاف الكثير من الأكاذيب عن الانتصارات الوهمية التي سوّقتها قوى الإرهاب ومشغليها في المنطقة وخارجها.
في حين حمل العام الجديد بأيامه الأولى معطيات تقهقر على أكثر من صعيد، وارتباك في إدارة الحرب الإعلامية التي اعتمدتها قنوات القتل والدم، فبدت في تنافر واضح وتناقض أوضح في تسويق ادعاءات واستخدام أوراق احترقت وتحوّلت إلى رماد يذرّ في العيون للتعمية على الحضيض الذي وصلت إليه.
أما رابع العوامل فكان في الفشل المزدوج الذي رافق الجولة الأخيرة للإبراهيمي الذي أثبت عجزاً متزيداً عن تقديم مقاربة منطقية يمكن أن تشكل بوابة عبور إلى الحل السياسي، نتيجة احتكامه لمؤشرات خاطئة وتحديداً ما يتعلق منها بقراءة التطورات في الميدان، والبناء على استنتاجات غير صحيحة في السياسة.
هذا كله لا يعني بالنتيجة انكفاء كلياً ولا إغلاقاً نهائياً للمحاولة التي تعود اليوم إلى البروز تحت عناوين مغايرة، أقلها ما يجري التركيز عليه من كذب، تحضيراً لجولة جديدة من عواصف التكهنات وأعاصير التسريبات التي يتم الإعداد لها، بذريعة أن تستكمل الإدارة الأميركية طواقمها في الخارجية.
المعضلة الفعلية أن العوارض المرضية التي تورّمت لدى حفنة من مرتزقة السياسة وأجراء الدبلوماسية التي تخوض حربها وكالة عن الأميركي، وأصالة باسم الإسرائيلي، تحول حتى الآن دون أن تتعلم من دروس الفشل، ولا الاستفادة من تجارب الإفلاس السياسي والإعلامي ولا تزال تكابر في وهمها.
والمعضلة الأخطر أن هناك من لا يزال ينفخ في رأسها، ويزيد الوهم أمامها من أجل أن تستمرّ في حرب التحضير والتهيئة التي تعتقد أنها باتت البديل الجديد لحروب الإعلام والسياسة والدبلوماسية، وتعويضاً عن العجز في جر العربة لتقف أمام الحصان!!
a.ka667@yahoo.com