وصولاً إلى القناعات التي تزداد رسوخاً في ظل ما نشهده من ارتباك في ردود الفعل التي صدرت من أطراف منظومة العدوان، والتي تباينت من الرفض المسبق إلى الترحيب المفخخ مروراً بالصمت المطبق، وإن جاءت أحياناً بصيغة التجاهل أو تعمد الانتظار.
من حيث المبدأ.. سوتشي أحدث فرقاً لا يمكن تجاهله، وقد يكون إلى حد بعيد قد حقق المطلوب منه في بعض جوانبه، وأضاف جديداً لا يمكن إنكاره، وإن كان الأول يقتضي نقاشاً أوسع، والثاني قد يحتاج إلى بعض المقاربات المتصلة بمدى الإضافات التي قدمها وحدود تأثيرها والمساحات التي أضفاها، خصوصاً حينما ترتبط ببعض الصياغات والمفاهيم التي تتفاوت فيها درجة التناغم بين جوانبها المتعددة، حيث تخضع في أغلب الأحيان لمقاربات حمّالة أوجه، وقد تكون درجة التباين فيها حادة ووجهات النظر متباعدة، رغم أن ذلك قد لا يؤثر في الحصيلة النهائية أو في مستوى المقاربة.
فالمشهد يبدو مختلفاً لجهة الحالة التي نتجت عن سوتشي، والإضافات السياسية التي حققها قد أعطت انطباعاً تختلف درجة تقييمه، لكنها لا تلغيه، وبالتالي نحن أمام أحكام تتعدد فيها الخلاصات، وهي مقترنة بالنقاشات والحوارات التي جرت داخل قاعات المؤتمر وردهاته الجانبية، وأروقته التي كانت مزدحمة بمساحة الطروحات ونوعيتها، وفرضت في النهاية جديتها المطلوبة، وطغت عليها إرادة البحث في أوجه التقارب والبناء عليها، وتلك العوامل ربما كانت مفقودة في المؤتمرات والتجارب الأخرى، وقد تكون نقطة الفرق الجوهرية فيما خلصت إليه المقارنات التي جرت وتجري بين سوتشي وسواها، وتحديداً جنيف الذي كان يفتقدها إلى حد بعيد، حيث كان مرتعاً للحسابات السياسية أكثر مما كان مهموماً بالوصول إلى حلول أو تقديم ما يساعد على تطوير المسار السياسي وتوفير فرص حقيقية لانطلاقه.
هذه المقارنة بالتحديد فرضت نفسها بقوة في الاستنتاجات، وربما حريٌّ بالقائمين على جنيف تحديداً أن يعيدوا النظر على ضوء التجربة في سوتشي، رغم الإدراك بأن ما تحقق حتى لو كان خطوات بسيطة برأي البعض، أو كبيرة من وجهة نظر البعض الآخر، فإنها تستحق القياس على ضوئها ووفق معايير سوتشي ومحدداتها التي أسهمت بشكل ما في توفير أجواء إيجابية افتقدتها جنيف، وإن كان هناك من يعتبر أن ما حضر في جنيف كان مقصوداً بذاته، وما افتقده كان متعمداً بعينه، كي لا يصل إلى نتيجة ويبقى يدور في الحلقة المفرغة بجولاتها التي تعددت مسوغاتها، وإن بقيت العلل التي يعانيها واحدة.
كما أن المقارنة تفرض أيضاً نفسها على ما بعد سوتشي، حيث إنه من المحسوم أن يبقى رهناً بدرجة الجدية والإرادة في تنفيذ مخرجاته وترجمتها في محددات وخطوات سياسية تكون هي المعيار الذي قد يكون سوتشي قادراً على إحداثه، وعلى الاختلاف الذي يمكن أن يجسده، والأهم الجديد العملي والواقعي فيما طرحه، وخصوصاً لجهة المقدرة على الأخذ به إلى حيث يمكن البناء عليه لاحقاً، حيث يقر الجميع.. المتفائل والمتشائل والمتشائم.. المقتنع بجديد سوتشي والمشكك والرافض بأن العبرة في مدى الاستفادة مما خلص إليه أولاً, وتنفيذه ثانياً، وربما القياس تبعاً لذلك ثالثاً.
سوتشي ربما استطاع أن يضع حجر أساس لمقاربة حقيقية بمحددات عملية، لكنه يحتاج إلى عمل طويل ودؤوب، وألا نكتفي بشوطٍ قطعه، وبخطوات قد يكون حققها، وفي مقدمة ذلك مقاربة منطقية لما بعد سوتشي، حيث تبقى موضع نقاش، وحتى تساؤل مشروع إلى أي حد كانت هذه الخطوة قادرة إلى إحداث فرق إضافي في مقاربة مخرجاته، خصوصاً في ظل تشكيك منظومة العدوان أو بعض أطرافها، أو على الأقل عدم الاعتراف بهذا الفرق؟، والأهم أن تكون المقاربة الأممية في نهاية المطاف قادرة على الأخذ بهذه المحددات، أو أن لديها الرغبة والجدية والإرادة على الأخذ بها، خصوصاً أن لدى السوريين ما يكفي لعدم الثقة بالدور الأممي، لأن تجاربه معه كانت مريرة، أو في أقلها تدعو إلى الحذر الشديد.. وعدم التفاؤل كثيراً بالمخرجات التي أعدها حتى اللحظة.
لسنا بوارد إصدار الأحكام على مخرجات سوتشي، ومن غير المنطقي إدراج بعض منها على لائحة انتظار قد تطول.. لكن أيضاً يجب أن نقرّ أنها كانت سباقة في وضع نفسها أمام الاختبار، بحكم ما أنتجته من مقاربات فرضت إيقاعها بشكل تلقائي، إن كان من المبكر إطلاق القناعات والخلاصات، وهو ما ينسحب أيضاً على محدداتها كما ينطبق على الانطباعات والمراجعات، وحدود القبول و الرفض، أو مساحة التفاؤل والتشاؤم.
a.ka667@yahoo.com