لا وفقا لقائمة سعرية تدرج العمل الفني في بورصة المزاودة، فمن ارتفع سعره كرس الحقبة التاريخية التي تناولها ، ومن انخفض إيراده محا الحقبة التاريخية التي تعرض لها، ولا دفعا بأهواء مزاجية ترى مصلحتها اليوم في تغييب حقبة وإبراز أخرى من التاريخ، ولا خدمة لمصالح ذاتية فمن لم يعجبه جانب من شخصية تاريخية شطب الشخصية كلها ومن أعجبه موقف فيها أو لها أحاطها بهالة من النور والإضاءة لا تستحقها، وليس لكل هذه الفنون بالمطلق أن تصنع تاريخا لمن ليس له تاريخ أو تسلب التاريخ ممن صنعوه حقا على طريقة الطربوش الواحد والرؤوس المتعددة .
التاريخ عجينة قست وتصلبت منذ دهور ، لا سبيل إلى إعادة نحتها أو تشكيلها أو قضم أجزاء منها والإبقاء على أجزاء أخرى لأنها ستنكسر وتتشوه، فلا تعود تاريخا بل شيئ شبيه بالصنم، ولا سبيل إلى إعادة تطريتها وعجنها وتشكيلها لأنها ستذوب وتميع ، فلا تعود تروي قصة أو عبرة سوى قصة تشكيلها الجديد، وسوى عبرة تزييفها ونسبها الكاذب إلى التاريخ والحدث والدرس .
لماذا يتعاطى البعض دمشق .. أو حتى حلب وحمص وغيرها من مدن وطننا, تاريخ هذه أو تلك أو غيرها ، كما لو أنها الإقطاعة التي أورثه إياها أبوه ، يصنع بها وبتاريخها المكتوب أو المروي ما يشاء ويشتهي ، نحتا وتلوينا، نسجا ورتقا، رقعا وتمزيقا، فلا يعود مشاهد أو قارىء أو سامع العمل الفني يميز بين دمشق وأي مدينة من مددنا وبين هانوي مرة ، وبينها وبين مونت كارلو مرة أخرى ؟
لماذا لا يرى البعض منا الخط الأحمر بين ما يحل له التدخل فيه وبين ما يحرم عليه وأوله التاريخ ، فلا يضبط قرائحه المتفاوتة بين الشراهة والتعصب نقد أو التزام أو حقيقة ، ولا يعود يميز بين الدوس على الكدر والنحت على الحجر , أو بين الشيك المصدق ووثيقة الاستقلال ؟
لسنا وحدنا من يكتب التاريخ أو يصنعه، العلم يكتبه والحضارات تكتبه، والفارق بيننا وبين شعوب الأرض وحضاراتها يدلل على حقائق التاريخ ، مثلما يدلل على زيفه ، فلنتق الله والأخلاق والانتماء فيما ننحت ونكتب ونصور ونمثل إذا كان لا بد من تحويل التاريخ .. تاريخنا وتاريخ وطننا ، إلى دكان أو بسطة على قارعة الرصيف .. تبيع كل شيء وأي شيء .. فقط لتقبض وتدس في الجيب !!