وهي صيغة برزت إلى العلن في سياق تداعيات التعاطي الأميركي المزري مع واقع العلاقات الدولية، وبدت الصيغ المتداعية للرضا والغضب وشهادات حسن السلوك توزع ذات اليمين وذات الشمال.
مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة تراجعت معايير التقييم الأميركي لمسألة الرضا والغضب، وكادت أن تغيب عن الخطاب الأميركي، وفي بعض الأحيان كان هناك ما يشبه الردة على كل ذلك السلوك الأسود الذي ظلل ثماني سنوات بائسة.
وذهب بعضهم إلى حد الاعتقاد أن الانقلاب على سلوك تلك الإدارة لن يتوقف عند حدود الاستبعاد المنظم للكثير من المفاهيم والمفردات، بل سيتعداه إلى الكف عن لغة التعالي في التعاطي مع الدول والشعوب، وستعمد اميركا إلى إعادة تنظيم حضورها ووجودها.
وساد هذا الاعتقاد لبعض الوقت مع الكثير من ملامح السلوك الجديدة، وقطعت إدارة أوباما خطوات فعلية في هذا الاتجاه، لكن حالة من الالتباس اعترته، حين واجهته بعض المعضلات وبدت بعض المواقف وكأنها ارتداد غير مفهوم عن السياق الذي قدمت نفسها به.
الأخطر أن العودة الأميركية إلى ذلك السياق جاءت عقب تراجعات عملية وفعلية عن الكثير من المواقف التي أطلقتها، وفي بعضها كانت قريبة من الانكسار ومنها ما استجد حول الاستيطان الإسرائيلي، والتسريبات الأخيرة عن مقايضات هنا وهناك
وحتى الرئيس أوباما لم ينج من ذلك اللغط حين عاد إلى استخدام بعض المفردات التي كان يتم تداولها من قبل الرئيس بوش ذاته، حول ما يرضي الإدارة الأميركية وما يغضبها، وعن التصرفات التي تراها مناسبة وتلك التي ترى فيها عكس ذلك.
ما يلفت الانتباه أن شهادة حسن السلوك الأميركي عادت إلى الظهور جنبا إلى جنب مع ذلك التراجع، وحتى في الكثير من الأحيان للتغطية على جوانب ذلك التراجع، لذلك لم يكن القبول الأميركي أو الرضا الأميركي مجرد تعبير سياسي أو فقط رسالة تشير إلى عودة أوباما إلى حاضنة المرحلة التي سبقت وصوله إلى البيت الأبيض، بل هي أيضا إشارة إلى أن الكثير مما طرحه يبقى مجرد طرح هش، وهو قابل للتبديل والتعديل مع أول سحابة تعترضه.