منذ مطلع عصر الاكتشافات الجغرافية التي جلبت للغرب ثروات كان الغرب يحتاجها لتطوير برامج ثورته الصناعية من طاقة ومواد أولية تتوفر بكثرة في البلدان الفقيرة ويندر وجودها في القارة العجوز التي استنفدت فحمها الحجري خلال الانطلاقة الأولى للقاطرة البخارية وما رافقها من تطورات في جميع قطاعات الصناعة ودخول عصر أتمتة العمل والإنتاج.
تلك الثورة والاكتشافات التي كونت ثروات ضخمة لدى الرأسماليين دفعتهم للمغامرة في السيطرة على الشعوب ومقدراتها، وهو الأمر والدافع الأساس لكل الحروب التي شهدتها البشرية خلال تاريخها الطويل، وكانت الدافع الخفي لتقاسم تركة الرجل المريض مطلع القرن العشرين وإقامة أنظمة الوصاية والحماية والانتداب التي سيطرت من خلالها على بلداننا العربية لفترات متفاوتة ناشرة مفاهيم وقيم وافدة لم يكن العرب يعرفونها في أي يوم من تاريخهم الطويل ولا من خلال الحضارات التي بنوها أو شاركوا في تطويرها بالمشاركة مع غيرهم من الشعوب والقوميات المجاورة.
هذه المفاهيم المختلطة القادمة من الغرب تنعكس بشكل مباشر على الموقف من الحوار المزمع اطلاقه خلال الفترة القريبة والذي يتم الترتيب له عبر قنوات دولية تتولى روسيا والولايات المتحدة الأميركية ضمانتها بعد التوصل الى توافقات تضمن اطلاق مشروع الحوار عبر التأسيس لمؤتمر وطني بمشاركة جميع القوى السياسية المؤيدة والمعارضة، بمن فيها من شارك في حمل السلاح وأبدى استعداداً لتركه والمشاركة في إعادة صياغة سورية جديدة بمشاركة كاملة لا تستبعد أحداً من أبنائها ومواطنيها.
والمتتبع لتطورات الموقف من الحوار السياسي مع القوى الخارجية الفاعلة يكشف طبيعة الموقف من سورية وشعبها بغض النظر عن مؤيدي الحكومة أو معارضيها، فقوى التآمر تكرس مفهوم الحوار المستقبلي مشترطة إسقاط النظام، ومتناسية حجم التأييد الواسع الذي يحظى به وهو الأمر الذي مكنه من الصمود في مواجهة كل المخاطر الخارجية على مدى العامين الماضيين، وهو ما يمثل بدقة الرغبة الصهيونية في تحويل سورية من دولة قوية الى كيان هزيل يتبع تل أبيب في رسم سياساته الاقتصادية والثقافية والخدمية وجميع الأنشطة المجتمعية، فيما يتخذ آخرون موقفاً وطنياً يسعى للحفاظ على حياة السوريين بعد انتشار أعمال القتل والتمثيل على أيدي الإرهابيين القادمين من أعماق عصور الهمجية والمعبأين بكل أصناف الحقد والكراهية.
ورغم اختلاف الرؤى من الحوار إلا أن قوى وفاعليات الضغط الوطنية تبقى أقوى من كل محاولات الإعاقة، ولن يحصد المخربون إلا السراب في سيطرتهم المؤقتة على جزء من مدينة الرقة في خطة ترمي الى قلب موازين القوة على الأرض ومحاولة تقديم صورة للمجتمع الدولي بسيطرتهم على منطقة عازلة وفق النموذج الليبي إلا عمل استباقي لكسب أوراق ضغط في طاولة الحوار الوطني ناسين أن الحوار المطلوب هو بين أبناء الشعب السوري والطاولة المنتظرة ليست ميداناً للتفاوض على حرية الوطن وكرامته.