تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فليزرع دواليها

معاً على الطريق
الجمعة 30-8-2019
ديب علي حسن

من مشاهد الأمل بالحياة تلك المحفورة كوشم سرمدي منذ الطفولة رجال وصلوا السبعين بل الثمانين من العمر تراهم بكل حقل وكل واد يزرعون ويحفرون في مواسم الغرس التي كنا نرتقبها باستمرار ليغرس كل منا شجرة تكبر معه،

كان هؤلاء الشيوخ يحتفون بنا لأننا استمرار لمن كان... خطر ببالي يوما أن أسال أحدهم: يا عم.. هل تأمل أن ترى ثمار الشجرة التي نغرسها؟.. لم أفكر أبداً بما يحمله السؤال من معنى قد يكون مزعجاً لكن الرجل بكل لهفة وحب نظر إلي مبتسماً وقال: ألم تسمع بالقول القديم «غرسوا فأكلنا»؟ وهاقد جاء دورنا لنغرس لكم... ويوما ما لا بد أنكم يجب أن تفعلوا هذا..‏

مضى على ذلك أكثر من نصف قرن.. ولم تكن مجرد مشاهدات طفولة بل مازلت أعيشها إلى حد الآن.. أمي شجرة السنديان الصامدة دلفت السادسة والثمانين من عمرها ومازالت حين تستطيع تزرع وتعتني بما أهملناه.. كما كان أبي يفعل ذلك وربما كأنها تقول لي: أنتم جيل متسرع لا يعرف كيف يثبت رجليه في الأرض.. تريدون الحصاد قبل الزرع.. تريدون كل شيء ولا تعملون من أجله.. وبالمثل العامي تريدون مائدة من السماء وهذا لم ولن يكون..‏

أشعر بالخذلان فعلاً أمام واقع مر صار مألوفاً، بل ربما ظاهرة لا بد من معالجتها.. الجميع يريد موقعاً ومنصباً وجاهاً وإدارة بلا أي أساس من الفعل والعمل.. الشاعر الآن يكتب ما يدعوه شعراً وهو لا يجيد ألف باء اللغة.. الصحفي يريد سبقاً يضرب عنان السماء وهو لا يتابع ما نشر له بالأمس.. الطالب يقتحم الامتحان وعينه على أفضل الكليات وهو مازال يحبو في سلم الدراسة‏

قس على ذلك الكثير.. كلنا في عجلة من أمرنا نريد ونريد ولا شيء يؤسس لما نتمناه ونريده.. في بنايتنا تكسر الدرج من سوء الاستخدام وغطاه الخبر حتى لتظن انك بمكان مهجور.. والأغرب من ذلك كل واحد منا في البناية ينظر ويتفلسف ويقيم الدنيا ولا يقعدها لكنه لا يفكر بخطوة واحدة نحو فعل شيء.. كلنا ينتظر من يفعل عنا ويقوم بما يجب أن نقوم به وسيكون انتظارنا لغودو دهرا...‏

لا أدري كيف يمكن لنا أن نحل هذه العقدة.. نقول ما لا نفعل ونفعل ما لا يقبل. أمس على طريق العودة على اتوستراد صحنايا عبرت بقربي سيارة تتمنى لو تأخذ صورة تذكارية إلى جانبها لجمالها وفخامتها.. وهي بالتأكيد ليست لي ولا لأحد من الفقراء.. تختال عروساً لكنك بعد قليل تتمنى لو كان بإمكانك أن تصفع من يقودها بقوة وتشف.. ليس عدوانا منك وإنما لهمجيته.. أخذ يمد يده من النافذة ويلقي مناديل جفف بها عرقه.. وبعد مسافة يلقي بفوارغ «الكولا» أمام السيارات العابر.. تسأل: أحقاً هذا طراز من البشر وكيف؟.. بل لماذا بكل همجيته يرفل بالترف ويمضي غير معني بشيء؟‏

تسال وتسأل لكن دون جواب، وفجأة يطل عليك بيت للشاعر إيليا أبي ماضي يختصر الحكاية كلها.. من اشتهى الخمر فليزرع دواليها.. نعم نشتهي كل شيء ونحن في هوة اللا فعل.. نشتهي ونريد ولكن ماذا زرعنا حتى نسارع للحصاد؟.. ثمة من زرع وحصد ومازلنا نعيش على حصاده ولكن ماذا عنا اليوم؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 ديب علي حسن
ديب علي حسن

القراءات: 753
القراءات: 758
القراءات: 783
القراءات: 673
القراءات: 689
القراءات: 773
القراءات: 838
القراءات: 781
القراءات: 654
القراءات: 854
القراءات: 756
القراءات: 732
القراءات: 721
القراءات: 740
القراءات: 722
القراءات: 674
القراءات: 836
القراءات: 695
القراءات: 768
القراءات: 743
القراءات: 810
القراءات: 777
القراءات: 801
القراءات: 721
القراءات: 767

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية