أو لنقل لبقايا المشروع الأميركي في الشرق الأوسط, افلاس سياسي يعكس في وجهه الآخر افلاساً أيديولوجياً وفكرياً لذهنية المحافظين الجدد وبما هي عليه من تصورات وأدوات كشفت عن عجز وترهل كبيرين يطالان هذه الذهنية ويقدمان الدليل اليقين على عقمها وفشلها في انجاز أي من العناوين التي روجت لها ولمشاريعها في المنطقة العربية.
ولعل مثل هذا التوصيف الذي أوردته رايس لاتباع حكومة سفيرها في بيروت, مضافاً إليه مجموعة التطمينات التي لابد أن هؤلاء الاتباع قد تلقوها عبر قنوات غير معلنة, كانت وراء ذلك الدرك من البذاءة السياسية والتصرفات السوقية التي أقدم عليها أولئك الاتباع من فريق 14 آذار, وهي لاتقل افلاساً وعجزاً عن السياسات التي تسوقها وتوجهها من الخارج.
ولطالما اعتبر زبغنيو بريجنيسكي , أحد أعلام صناعة الاستراتيجيات السياسية في التاريخ الاميركي الحديث أن الركيزة الثالثة في مثلث القوة الاميركية , بعد الركيزتين الاقتصادية والعسكرية , هي الثقافة التي رآها بريجينسكي حاجة ومطلباً يرنو العالم بأسره اليه . غير أن ماروجه المحافظون الجدد وادارة الرئيس بوش من هذه الثقافة , لم يكن سوى الوجه الأكثر قباحة لها , سواء ما ظهر من هذا الوجه خلال سنوات احتلال العراق , أو ماجرى توظيفه منه في لبنان لحصار سورية وتهديدها ومحاولة عزلتها .
بطبيعة الحال , سقطت السياسات والاستراتيجيات التي انتهجتها ادارة بوش في العالم على مستوى الداخل الاميركي , وفق ما تشير اليه استطلاعات الرأي ووفق صناديق انتخابات الكونغرس الاخيرة , وهي بالتأكيد باتت ساقطة على مستوى العالم , ولاسيما الشرق الاوسط , وفق النتائج الكارثية التي عادت بها نتائج تطبيقات هذه السياسات والاستراتيجيات من آلام ومظالم إلا أن سقوطها سيكون مدوياً أكثر , وسينقطع أي بصيص أمل لها طالما أن وكلاء توزيعها وترويجها هم على شاكلة أولئك القابعين في السلطة اللبنانية اليوم من فريق 14 آذار ,ممن سقطوا واسقطوا معهم البضاعة الاميركية في درك سياسة البذاءة والسب والشتم , وفي حلقات الردح والقدح .
إن لدي ادارة الرئيس بوش فرصة قد تكون الاخيرة , لتعويض الثقافة الاميركية جزءاً من خسائرها الفادحة , وللتخفيف من التشوهات في صورة هذه الثقافة , أن تنفض يديها من وكلائها المنبوذين , ومما يرتكبونه من آثام في لبنان وغيره , لا أن تجعلهم الرأس في حربة مشاريعها في المنطقة , الحربة التي باتت أكثر هزالاً من أن تجرح فحسب !!