| الفكر القومي.. والتجديد محطة وجمالية الأدب والتهذيب, والسلوك الحضاري المتمّيز- أثار عددٌ من المثقفيّن والكتّاب والمتعاطين بشؤون الفكر والسياسة أسئلةً كثيرة, شكك بعضها قطعياً بجدوى المؤتمرات والندوات الفكرية ومدى فاعليتها أو(فائدتها) في تحريك الأوضاع العربية الجامدة والراكدة,وانطلق بعضها الآخر من خشية تكرار ما ألفناه من مبارزات شرسة وصراعات عنيفة بين مثقفينا ومفكرينا في الملتقيات وحلقات النقاش, التي تصل إلى درجة الشتائم والتسفيه وحتى التخوين المتبادل. أما الفئة التي تابعت أعمال المؤتمر بجدية واهتمام حقيقي, فقد شاركت فعلاً في إنجاحه, إما من خلال التحضيرات المكثفة والاتصالات الواسعة مع المفكرين والأكاديميين المعنييّن, أو عبر تقديم الأبحاث والدراسات, أو الآراء والاقتراحات العملية, أو بطرح التعقيبات والأسئلة الجادة, أو بالحرص على الحضور والإصغاء المثمر , ومحاولة الاستفادة مما طرح و نوقش طيلة أيام المؤتمر. لقد رممت أبحاث ومداخلات عديدة ذاكرتنا الجمعية بشأن تاريخ الفكر القومي ومسيرته النضالية الممتدة والمتنوعة والغنية, ولاسيّما أنّ بعض الشخصيات القومية من جيل الخمسينيات والستينيات شاركت في المؤتمر بفعالية وحماس,وفي مقدمتها المفكر القومي المعروف الاستاذ الدكتور عبد الله عبد الدايم, والدكتور جورج صدقني, والمناضل الفلسطيني بسام الشكعة,(الذي يعيش من دون ساقين ورجلين إثر تعرضه لعملية ارهابية قام بها العدو الصهيوني العنصري). أكاديميون مشهودٌ لهم بالعلم وسعة الاطلاع والفكر الخلاق والمبدع, سواء في حقل الفلسفة أم الاقتصاد أم العلوم الاجتماعية والسياسية قدموا عصارة فكرهم ورؤاهم لكيفية تجديد الفكر القومي وتفعيله وتطويره, ليعود إلى رياديته وأخذ زمام المبادرة الثقافية والسياسية والنضالية والتوعوية,و ليستعيد حيويته وجماهيره, التي تنتظر منه أفكاراً خلاقة وحلولاً واقعية لما تواجهه من محاولات خطيرة للتقهقر بها إلى مراحل ماقبل القومية والدولة والعصر.. عبر إيقاظ وحوش الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية,وإحلال رموزها ومفاهيمها وتوجهاتها الانعزالية محلّ العروبة الحضارية والفكر العقلاني الحر والمستنير, الساعي لإقامة الدولة العربية الديمقراطية ذات السيادة,و القوية بجميع طبقاتها وفئاتها وشرائحها ومكوّناتها وأفرادها, المبنية على أساس عصري وعلى شرعية مستمدة من شعبها, ودفاعها عن مصالحه وحقوقه وكرامته,وليس من الدعم والحماية الأجنبية والارتباطات المشبوهة والمشينة. لقد نجح المؤتمر في إيجاد الأرضية الأساسية والارتكازية الممهِّدة لمؤتمرات وملتقيات وورش عمل قادمة,تدرس بعمق و تخصّص القضايا والإشكاليات والمعضلات, التي تواجهها أمتنا والفكر العربي عموماً والقومي على وجه التحديد. وكذلك نجح في استثارة همم المثقفين وحماسهم لاستمرارية الحوارات والمناقشات ,و الكتابة , والتفكير في القضايا المطروحة,و مايتقاطع معها أو يتفرع عنها من أسئلة ورؤى وتصورات. واليوم إذ يقف الفكر القومي بجميع أطروحاته ونظرياته,وأجياله, وأجنحته, وأطيافه,وألوانه,واجتهاداته (ومعه أيضاً بطبيعة الحال الفكر التقدمي واليساري عموماً) أمام تحديات تاريخية صعبة ومعقدة, إلاّ أن آفاقه مازالت رحبة ومفتوحة وممكنة, والرهان على تجدده وحراكه وقدرته على النهوض مجدداً.. ليس ساذجاً أو حالماً أو غير واقعي.. فهل يستجيب للتحديات الكبيرة والقاسية بفكر خّلاق نقدي و عقلاني.. ومبادرة وإبداع وانفتاح ?!..هذا هو المنتظر والمأمول. Kh@Khalaf-aljarad.com
|
|