حول دور الثقافة والمثقفين في عملية التغيير والتحديث، ومطابقة كل ذلك مع ما تعيشه سورية اليوم، أو مقاربة ما تعيشه سورية بما لدى هذا المثقف من تراكم معرفي يفترض أنه أنتج أنماطاً ونماذج من طرق ووسائل لأجل تحقيق ذلك التغيير والتحديث المطلوبين.
وعلى النحو ذاته تستعيد ذاكرة المثقف السوري اليوم أيضاً ذلك النموذج من «المثقف العضوي» الذي أبدعه وكتب عنه وفيه أنطونيو غرامشي، بوصفه النموذج الذي يحقق أكبر قدر من التواصل والفاعلية بين المثقف والثقافة من جهة أولى، وبينهما معاً وبين المجتمع من جهة ثانية، خاصة أن كلا من المثقف والثقافة منفردين أو مجتمعين، وفي ضوء عملية الإصلاح الجارية في سورية اليوم.. لم يعد أي منهما مادة للترف والحوارات السفسطائية على الأرصفة وفي المقاهي وفي بعض الأروقة الثقافية، التي توهمت وتوهم روادها في لحظة ما أنهم محور العالم وخلاصته المركزة، وأن الذات الإلهية اصطفتهم وأبقت عليهم فوق ثقوب غربالها وادخرتهم لتغير العالم بهم ولهم.
اليوم، لم يعد ثمة وقت للتسكع ثقافة أو فكراً.. ولا حتى في المقاهي وعلى الأرصفة، ولم يعد ثمة جدوى لمراكمة المزيد من الثقافات والمعارف فوق ما تراكم منها ويكاد أن يتعفن، ولم يعد ثمة هوامش وأرصفة ومقاهٍ للحياد أو الصمت.. واستخدام حاسة النظر فحسب في تأريخ ما يجري وتسجيل وقائعه كما لو أنه يدور في بلاد الواق الواق، لا وقت لحياد المؤرخ ولا لحكمة الفيلسوف ولا لعزلة المتصوف الزاهد، يمنع كل من انتخب نفسه أو انتخبه الآخرون مثقفاً من أن ينخرط غوصاً حتى أذنيه في نقاش حول ما يجري وحوار حوله، خاصة أن موضوعة النقاش والحوار إياه هي الوطن، وبكل ما تعنيه هذه الموضوعة من فلسفة أن نكون جميعاً أو لا نكون.. جميعاً أيضاً.
ثمة لحظات فقط لمحاكمة عقلية يجريها كل منكم بينه وبين ذاته، بين أن يكون مثقفاً عضوياً ملتزماً، مبدعاً ورائداً ومبادراً.. وبين أن يتحول إلى قرص مضغوط على رف مهمل ومغبر أو في جهاز كمبيوتر لا يجيد سوى اللغو والتكرار.. والاجترار !
ثمة لحظات فقط ليصوب كل منكم المفاهيم والرؤى، فلا تعود الثورة فوضى من دم وركام بل حياة جديدة متجددة، ولا تعود الديمقراطية صناديق وطوابير وأوراقاً بيضاء بل وعياً وسلوكاً أولاً، ولا يعود الوطن سوق بازارات ومساومات بل حرية وسيادة واستقلالاً !
الثقافة والفكر.. والوعي الناتج عنهما متوازيان مع السلوك هو ما يغير الناس ويصنع المستقبل، أما النصوص فأوراق وأحبار ليس إلا !!