فاكتشف.. ماذا اكتشف ؟ اكتشف أن الجماعة باتت علمانية يسارية وطنية وقومية وحداثية، فذهب إلى الاتصال بها وإنشاء الحوار معها، والدعوة إلى الالتفاف حولها وشد أزرها وتشجيعها على جديدها، ومع أن الرجل مسيحي الدين، والجماعة لم تغير حتى اسمها، إلا أنها ضمته إلى قيادتها لبضعة أشهر، وكادت تسلمه ملف الإرشاد.. لولا أنها عادت وطردته طرد غرائب الإبل!
بالتأكيد، لا أقول هذا على سبيل الطرفة السياسية، فقد حدث الأمر فعلاً أيام العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 – 2009، فالجماعة موجودة والمثقف موجود وكتاباته «الصميدعية» في مديح الجماعة موجودة ومؤرشفة، وقد راج اكتشاف «المثقف المعارض المستقل» في حينه أكثر من رواج اكتشاف دوران الأرض على يد غاليلي، ويبدو أن الأمر لم يتعد بالنسبة إلى ثقافة ذلك «المثقف المعارض المستقل» عملية « قص ولصق» بسيطة تنقل الجماعة أو غيرها من جحور القرون الوسطى إلى ناطحات سحاب القرن الواحد والعشرين، بل لم أدر في حينها ولا زلت لا أدري من كان منهما يسخر من الآخر.. «المثقف» أم الجماعة ؟
إذاً، هي « قص ولصق» وينقضي الأمر على أحسن ما ينبغي أن ينقضي عليه.. تماماً، وأبسط وأسخف من بعض تراثنا العظيم الذي صور قيلولة اسحاق نيوتن تحت الشجرة ورواية سقوط التفاحة على رأسه، والتي ألهمته كل قوانين الجذب والنبذ على وجه الأرض.
فلماذا لا تتغير جماعة الإخوان المسلمين إذاً بهذه البساطة.. رغم أن الجماعة حبلت فيما بعد بسنتين أو أكثر وانجبت داعش والنصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام و.. و.. و؟
على هذا النحو من الهزال والتسخيف والتبسيط الأعمى جرى العديد من محاولات تسييل الإرهابيين بين داعش وجبهة النصرة وبينهما وبين فصائل وعناوين أخرى، فإذا اكتشف المعنيون بهذه الجماعات ميلاً أميركياً لاعتبار داعش إرهابياً مثلاً فإنهم يجرون تسييل كوادره باتجاه جبهة النصرة وهكذا.. فالأسماء كثيرة والرايات أكثر والمسألة لا تتعدى النسخ واللصق.. ومن صنع هذا الفصيل يصنع غيره !
وعلى هذا النحو أيضاً تجري «العبقرية السياسية السعودية» محاولة من هذا النوع، لإعادة احتساب فصيلي جيش الإسلام وأحرار الشام اللذين يقطران دماً في خانة الفصائل « المعتدلة»، من خلال الإعلان إعلامياً وخلال تسجيل صوتي ببضع ثواني عن فك ارتباطهما بجبهة النصرة وربما إعلان مخالفتهما داعش والقاعدة.. فعلى ما يبدو أن هذه العبقرية حفظت الدروس والطرائق الأميركية وجاءت اليوم إلى تطبيقها !
غير أن المشكلة الحقيقية ليست في ما تفعله أميركا أو يفعله بنو سعود، فما يفعلونه في المحصلة النهائية هو ألعاب سياسية.. المشكلة الحقيقية هي في العقل الجمعي الذي يستقبل هذه الألعاب ولا يزال يصدق مشروعية النسخ واللصق فيها.. ثم يتناسى أن التطرف الديني ليس مزاجاً رائقاً او معتكراً، بل هو.. ماركة مسجلة !!