تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ســـــــورية الجميلــــــــة.. رسائل الحب الستيني (84)

ثقافة
الثلاثاء 30-6-2009م
أسعد عبود

الأمل والشمس المشرقة واللهفة وطريق يتلوى بنا، نعرف عما نبحث ولا نعرف إلى أين نمضي.. نداء يستهين بالحواس والمسافات والمحظورات..

كل ما فينا يلبي النداء وكله يسعى باتجاهه ولا نعرف إلى أين؟!.. هل كنا نريد مخبأ.؟!‏

تمتد متسعات البوادي الفسيحة إلى الأفق.. صمت لا تبدده شمس الضحى ولا مرور حافلة أو دبيب قطيع ماشية هنا وهناك.. وكل ما فينا يصرخ، نسمع الصراخ بقلبينا وروحينا.. وسط طقس الضوء الفريد هذا، ما أصعب أن نسكن العتمة..‏

< إلى أين؟!‏

- هذه التلة..‏

< كي يرونا من الجهات الأربع؟!‏

- بل كي نراهم..‏

< السترة.. أيها العاشق..‏

- سأغطيك بي..‏

< ماذا تغطي؟! وماذا تستر؟! إننا على قارعة الطريق..‏

يقول لي ويقسم:‏

تفجر نهر.. كأننا في الجنة.. سال نداه فغمرني.. أصبحت البادية بحراً فعمت فيه..‏

قاطعته مرة أخرى كي أخرجه من خياله..‏

- كأنك تريد أن نتابع أحلاماً تتخيلها..‏

< أقسم لك أنني لم أضف كلمة على حقيقة ما جرى..‏

- وتحولت البادية إلى بحر..؟!‏

< ذاك ما جرى بالضبط..‏

- سبحت و اصطدت سمكاً..؟!‏

< وجبت أطراف العالم..‏

- إذاً أنت الذي جعلت العالم قرية صغيرة؟!‏

وتابعت ممازحاً..‏

كنت أعتقد أن العالم في عصر الاتصالات صَغُر حتى أصبح قرية.. وتدهشني إذ تصوره بتلة في البادية عدد سكانها اثنان فقط جذفوا بقارب في بحر صنعوه فأصبح العالم تلة وعاشقين وبحراً صنعاه..؟!‏

يكتب علاء:‏

عندما وصلت دمشق لم أغادر قريتي، فأحسست العالم قرية صغيرة بجد.. وقلت: مضت أيام الاغتراب.. وعندما حطت بي الطائرة في (بيونس آيرس) بدأ فصل الغربة..‏

-أين أنتِ يا قريتي وغربتي؟!‏

تقول علا:‏

يخطىء علاء إن اعتقد أن غيره يستطيع أن يفجر مني نبع عبق يسير بين الأحجار الناعمة الكلسية.. فيتنافس مع بياضها أيهما أشد نقاء.‏

مضى إلى البعيد وهو يذكرني بحلمه أن يمشي حافياً في ساقية ماء.. وصمت إلى درجة سماع صوت (السقسقة) رغم أنه ماء وليس بماء... بل عبق..‏

كيف هاجر علاء؟!‏

حسبما سمعت عنه أنه هرب من مضيق كان يمر فيه.. بين ساقية يسيل بها العبق تصنعه علا بصوتها.. وبين حجر الصوان الذي يصنعه صوت علا..‏

هرب من الحيرة.. من الهواجس.. من الاحتمالات.. بل هرب من الزمن.. ذهب إلى الأرجنتين يبحث عن أقرباء له.. هو يعتقد أن أعمامه الذين هاجروا منذ عشرات السنين يدخرون له ثروة هناك.. بل أكثر من ذلك يعتقد أن بعض المتنفذين سرقوا تحويلات جاءته من هناك وكان ينتظرها كي يشتري لعلا بيتاً، لا سيما بعد أن صرخت في وجهه وهي تعد لمشروع زواج:‏

-أنا مهري بيت..‏

قالوا له: إن أحد أعمامه كان ذا شأن عظيم في المغترب..كان قاضي أبناء طائفته هناك.. ليس علاء بسيطاً إلى درجة الوهم بهكذا منصب.. إنما هو أراد الهرب.. لم يكن يخشى بيتاً لعلا.. بل هو أحب ذلك.. لكم أحبه.. كان يخشى دلالات حجر الصوان...‏

في قريتنا يسمون الصوان (سلاط) وحجره الكبير يزن 10 كيلوات أو أكثر يسمونه (فحل السلاط).. يستخدمونه لاستخراج أدوات حادة منه.. تحديداً لدرس سنابل القمح والشعير.. يزرعون قطعه وفق الأصول على ظهر النورج ويدورون به، تجره دابة على السنابل المطروحة بشكل دائرة بعد تثقيله.. ويوم يليه يوم.. يتحول مكدس السنابل إلى تبن وحب..‏

سأعترف أنني زرتُ البيادر عارضاً نفسي ثقلاً فوق نورج يدور بي تحت حر الصيف فوق سنابل القمح متمتعاً بالغبار الذي لا يتوقف ينطلق من الطرحة التي تدرس.. واعترف أنها لم تصل درجة الهواية لكنها قاتلة..‏

عندما عاد علاء من الغربة ليخبر بغرائب الدنيا عن حصّادة تلم الزرع اليابس بسرعة فائقة وتخرجه تبناً وحباً.. كانت الحصّادة قد سبقته..‏

< الحصّادات تملأ أراضينا يا علاء.‏

-أين؟!‏

< هناك في الجزيرة والفرات..‏

استيقظ على كلمة الفرات‏

تذكر وعده‏

سآخذك إلى الفرات يا علا.. سنعبر البادية.. سنتوقف عند تلالها.. سنحذر كثبانها.. وسنستريح في تدمر..‏

< تدمر..‏

(وأحست بهبوط في القلب)..‏

أين تدمر وأين الفرات؟!‏

-الطريق الجديد يمر من هناك..‏

صعقهُ انكسار الحلم.. لم يجد علا.. إذاً لا بحار في البوادي ولا فرات..‏

قالت علا:‏

< أراك تبالغ!‏

-لو تعلمين كم بحثت عنك، عن فراتي وبحري..‏

< ها نحن والعالم قرية صغيرة..‏

-دونكِ العالم مقبرة لأحلامي فقط..‏

لن يسمعوا أخباري عن الحصادة... حتى أبو ميهوب لم تعجبه طريقتهم في سحب العرق.. بل لم يعجبه عرقهم.. فهم لا يزرعون اليانسون..‏

ما الذي أدراه.. أبا ميهوب..‏

قال القرحيلي: يسأل فيعرف... وكل ما له علاقة بتقطير العنب يعنيه..‏

بدا العالم له قرية صغيرة..‏

أعاد قراءة المشهد.. a-abboud@scs-net.org

تعليقات الزوار

المهندس / محمد المفتاح - الرقة ومقيم في الرياض |  almoftah_2005@hotmail.com | 30/06/2009 08:38

كان مجرى نهر الفرات يحاذي البلدة التاريخية (تل المريبط) ، السواعد السمر حوّلت مجراه ، بدأت مياه الفرات تعود باتجاه المنبع بعد أن كانت طول حياتها تتقدم باتجاه المصب ، تدخل الوديان ، تتمدد ، يرتفع منسوبها فتنخفض قمة تل المريبط ، سنة ، سنتان ، ثلاث ، واختفت قمة التل ، وإذ بنا أمام بحيرة كبيرة تحمل اسماً كبيراً ؛ إنّها بحيرة الأسد ، وهكذا تحوّلت البوادي إلى بحار ، وبدأ الازدهار يا علاء .

روز |  rose842006@hotmail.com | 30/06/2009 13:09

روععععععة عبارات تلامس المشاعر والأحاسيس تجعلني أؤمن بشعر عنترة العبسي عندما قال : بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن جاروا علي كرام الغربة صعبة والأصيل يللي متلك ياأستاذ أسعد اللي بحس أنو كل حبة تراب ببلدو أحسن من كل المغريات ببلاد الغربة عنجد أنت مدرسة بتعليم محبة الوطن

ببساطة أنا سوري |  diablo6006@hotmail.com | 06/07/2009 09:40

تحية طيبة , تعليم محبة الوطن شيئ أساسي مزروع بكل إنسان منذ الصغر .. وجد مع ولادته .. بيته الذي نشأ وترعرع فيه .. وحيه الذي لعب فيه .. ويتطور الأمر ليشمل الأحياء المجاورة ومن ثم المدينة كاملة .. ليكتمل بعدها حب الوطن كاملا ... بكل مافيه ... سرد القضية وذكر شخصيات مرتبطة بها , كان له أثر كبير في إيصال الفكرة إلى شريحة أكبر من الناس , ويستثنى من هذه الشريحة كل اللذين ذاقو مرارة الغربة ولوعة الحنين والشوق إلى وطنهم , الكلام موجه إلى الذين يفكرون بهجرة أوطانهم لوهمهم بأن مافي الخارج أفضل. إقتباس : ((حتى أبو ميهوب لم تعجبه طريقتهم في سحب العرق.. بل لم يعجبه عرقهم.. فهم لا يزرعون اليانسون..)) هذا هو الحال بالضبط .. ويمكن تعميمه إلى حالة أكثر شمولية .. الأكل والكلام والشرب والنزهات وكل تفاصيل الحياة مختلفة بعيدا عن الوطن .. اعذروني على التوقف هنا .. ودمتم بخير

عبد الستار المغترب |  هل تعلم؟ | 06/07/2009 14:38

هل تعلم بأن أكثر من 90 بالمائة من المغتربين وفي كافة بلدان العالم يريدون العودة الى سورية !. , السبب في عدم عودتهم هو فراغ جيوبهم ، وهذا الفراغ يشكل عيباً كبيراً في مجتماعاتنا لأناس اغتربوا لفترة طويلة من أجل تأمين مستقلبهم . لايوجد شيء أغلى من الوطن . لكن لاأحد يعرف قيمة الصحة إلا بعد السقم والمرض, ولاأحد يعرف قيمة الوطن إلا بعد الاغتراب وضياع المقدار .

علي سلوم |    | 06/07/2009 23:07

الوطن غالي والوطن عزيز والوطن شامخ لأن الوطن هو زاتنا فالندرك هذه الحقيقة

سهيل صقر  |    | 02/03/2010 22:17

لا يعرف الحب إلامن يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها إن جلسة واحدة تحت شجرة التوت ومنظر البيارات أحب إلي من مال الأرض ، لأن الغربة تضيع الانسان ، و البحث وراء المال لاينتهي ، القناعة كنز لايفنى، . وقال الشاعر : مللت البعد و اشتقت اللقاء وعدت لصدر من أهوى مساء دعوة إلى كل الممتدين على أرصفة القهر البشري العودة إلى الوطن فهو الملاذ و إليه المنتهى

سهيل صقر  |  suhil1957@hotmail>com | 02/03/2010 22:21

لا يعرف الحب إلامن يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها إن جلسة واحدة تحت شجرة التوت ومنظر البيارات أحب إلي من مال الأرض ، لأن الغربة تضيع الانسان ، و البحث وراء المال لاينتهي ، القناعة كنز لايفنى، . وقال الشاعر : مللت البعد و اشتقت اللقاء وعدت لصدر من أهوى مساء دعوة إلى كل الممتدين على أرصفة القهر البشري العودة إلى الوطن فهو الملاذ و إليه المنتهى

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 أسعد عبود
أسعد عبود

القراءات: 644
القراءات: 947
القراءات: 930
القراءات: 905
القراءات: 953
القراءات: 991
القراءات: 998
القراءات: 979
القراءات: 1072
القراءات: 1087
القراءات: 1021
القراءات: 1065
القراءات: 1037
القراءات: 1076
القراءات: 1333
القراءات: 1216
القراءات: 1120
القراءات: 1141
القراءات: 1200
القراءات: 1200
القراءات: 1207
القراءات: 1228
القراءات: 1222
القراءات: 1276
القراءات: 1277

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية