| ســـــــورية الجميلــــــــة.. رسائل الحب الستيني (84) ثقافة كل ما فينا يلبي النداء وكله يسعى باتجاهه ولا نعرف إلى أين؟!.. هل كنا نريد مخبأ.؟! تمتد متسعات البوادي الفسيحة إلى الأفق.. صمت لا تبدده شمس الضحى ولا مرور حافلة أو دبيب قطيع ماشية هنا وهناك.. وكل ما فينا يصرخ، نسمع الصراخ بقلبينا وروحينا.. وسط طقس الضوء الفريد هذا، ما أصعب أن نسكن العتمة.. < إلى أين؟! - هذه التلة.. < كي يرونا من الجهات الأربع؟! - بل كي نراهم.. < السترة.. أيها العاشق.. - سأغطيك بي.. < ماذا تغطي؟! وماذا تستر؟! إننا على قارعة الطريق.. يقول لي ويقسم: تفجر نهر.. كأننا في الجنة.. سال نداه فغمرني.. أصبحت البادية بحراً فعمت فيه.. قاطعته مرة أخرى كي أخرجه من خياله.. - كأنك تريد أن نتابع أحلاماً تتخيلها.. < أقسم لك أنني لم أضف كلمة على حقيقة ما جرى.. - وتحولت البادية إلى بحر..؟! < ذاك ما جرى بالضبط.. - سبحت و اصطدت سمكاً..؟! < وجبت أطراف العالم.. - إذاً أنت الذي جعلت العالم قرية صغيرة؟! وتابعت ممازحاً.. كنت أعتقد أن العالم في عصر الاتصالات صَغُر حتى أصبح قرية.. وتدهشني إذ تصوره بتلة في البادية عدد سكانها اثنان فقط جذفوا بقارب في بحر صنعوه فأصبح العالم تلة وعاشقين وبحراً صنعاه..؟! يكتب علاء: عندما وصلت دمشق لم أغادر قريتي، فأحسست العالم قرية صغيرة بجد.. وقلت: مضت أيام الاغتراب.. وعندما حطت بي الطائرة في (بيونس آيرس) بدأ فصل الغربة.. -أين أنتِ يا قريتي وغربتي؟! تقول علا: يخطىء علاء إن اعتقد أن غيره يستطيع أن يفجر مني نبع عبق يسير بين الأحجار الناعمة الكلسية.. فيتنافس مع بياضها أيهما أشد نقاء. مضى إلى البعيد وهو يذكرني بحلمه أن يمشي حافياً في ساقية ماء.. وصمت إلى درجة سماع صوت (السقسقة) رغم أنه ماء وليس بماء... بل عبق.. كيف هاجر علاء؟! حسبما سمعت عنه أنه هرب من مضيق كان يمر فيه.. بين ساقية يسيل بها العبق تصنعه علا بصوتها.. وبين حجر الصوان الذي يصنعه صوت علا.. هرب من الحيرة.. من الهواجس.. من الاحتمالات.. بل هرب من الزمن.. ذهب إلى الأرجنتين يبحث عن أقرباء له.. هو يعتقد أن أعمامه الذين هاجروا منذ عشرات السنين يدخرون له ثروة هناك.. بل أكثر من ذلك يعتقد أن بعض المتنفذين سرقوا تحويلات جاءته من هناك وكان ينتظرها كي يشتري لعلا بيتاً، لا سيما بعد أن صرخت في وجهه وهي تعد لمشروع زواج: -أنا مهري بيت.. قالوا له: إن أحد أعمامه كان ذا شأن عظيم في المغترب..كان قاضي أبناء طائفته هناك.. ليس علاء بسيطاً إلى درجة الوهم بهكذا منصب.. إنما هو أراد الهرب.. لم يكن يخشى بيتاً لعلا.. بل هو أحب ذلك.. لكم أحبه.. كان يخشى دلالات حجر الصوان... في قريتنا يسمون الصوان (سلاط) وحجره الكبير يزن 10 كيلوات أو أكثر يسمونه (فحل السلاط).. يستخدمونه لاستخراج أدوات حادة منه.. تحديداً لدرس سنابل القمح والشعير.. يزرعون قطعه وفق الأصول على ظهر النورج ويدورون به، تجره دابة على السنابل المطروحة بشكل دائرة بعد تثقيله.. ويوم يليه يوم.. يتحول مكدس السنابل إلى تبن وحب.. سأعترف أنني زرتُ البيادر عارضاً نفسي ثقلاً فوق نورج يدور بي تحت حر الصيف فوق سنابل القمح متمتعاً بالغبار الذي لا يتوقف ينطلق من الطرحة التي تدرس.. واعترف أنها لم تصل درجة الهواية لكنها قاتلة.. عندما عاد علاء من الغربة ليخبر بغرائب الدنيا عن حصّادة تلم الزرع اليابس بسرعة فائقة وتخرجه تبناً وحباً.. كانت الحصّادة قد سبقته.. < الحصّادات تملأ أراضينا يا علاء. -أين؟! < هناك في الجزيرة والفرات.. استيقظ على كلمة الفرات تذكر وعده سآخذك إلى الفرات يا علا.. سنعبر البادية.. سنتوقف عند تلالها.. سنحذر كثبانها.. وسنستريح في تدمر.. < تدمر.. (وأحست بهبوط في القلب).. أين تدمر وأين الفرات؟! -الطريق الجديد يمر من هناك.. صعقهُ انكسار الحلم.. لم يجد علا.. إذاً لا بحار في البوادي ولا فرات.. قالت علا: < أراك تبالغ! -لو تعلمين كم بحثت عنك، عن فراتي وبحري.. < ها نحن والعالم قرية صغيرة.. -دونكِ العالم مقبرة لأحلامي فقط.. لن يسمعوا أخباري عن الحصادة... حتى أبو ميهوب لم تعجبه طريقتهم في سحب العرق.. بل لم يعجبه عرقهم.. فهم لا يزرعون اليانسون.. ما الذي أدراه.. أبا ميهوب.. قال القرحيلي: يسأل فيعرف... وكل ما له علاقة بتقطير العنب يعنيه.. بدا العالم له قرية صغيرة.. أعاد قراءة المشهد.. a-abboud@scs-net.org
|
|