دمشق استعادت الياسمين والورد والفل والنارنج والكباد , لكن نزارا بقي مفقودا , سنوات مضت ولما تعثر على العاشق المفقود , بحثت عنه في الأزقة والدروب المغلقة والحارات المتعرجة المنثنية كراقصة في معبد الحب , ولا اثر له.
هي لا تبكي كثيرا.. إنها تدرك معنى القدر المكتوب ... وتعرف أن عشق الشام لا ينتهي برحيل واحد من عشاقها وهي ترى الآن ملايين العشاق , لكن أين تجد عاشقا مثل نزار يملأ الأرض شعرا وحبا , يتغنى بها في أصقاع الدنيا الأربعة , فتردد خلفه الملايين الحب يبدأ من دمشق .
هو واحد من العشاق لكنه غزا بحب الشام قلوب العذارى والأيامى من الماء إلى الماء , فكان كما قال عن نفسه قبيلة عشاق بكاملها , ومن دموعه سقى البحر والسحبا .
نزار لم يتكرر وربما لا يأتي شاعر مثله لسنوات وسنوات تتسابق قلوب الصبايا لسماع نبضات عشقه , وتتلهف عيونهن لرؤية عينيه , وتتفتح شفاههن ترقب الحروف وهي تخرج من بين شفتيه , إنه نزار عاشق حمل المدينة في قلبه ووضع بساتينها بين أمتعته عندما اغترب عنها, وظلت الكلمة الأولى والأخيرة التي يترنم بها في حله وترحاله و صحته وسقمه .
آه لو عاش نزار بضع سنوات أخرى , لرأى عدوى الياسمين تنتقل من بيوت دمشق القديمة إلى شوارعها , فلتهنأ روحه ولتفرد أجنحتها في سماء عاصمة الياسمين
إيه يا عاصمة الياسمين ... ستفرحين كثيرا بالياسمين المزروع في الشوارع والحب المنغرس في القلوب , لكنك ستفتقدين شاعرك مع كل قصيدة غزل وأغنية حب , مع كل نبتة ياسمين وشجرة ليمون وثمرة كباد .