تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة أولية في الاستراتيجية السورية(14)... المسألة الدينية(2)

معاً على الطريق
الأحد 29/4/2007
برهان بخاري

كان من المفترض أن يكون العنوان الفرعي لهذا المقال المنظمات الشعبية (2) لكن ظرفاً استثنائياً لا يمكن القفز من فوق معطياته وتداعياته هو الذي فرض أن يكون العنوان المسألة الدينية (2).

وبداية أقول إنه لا بد من وقفة متأنىة نقدم عبرها التحية والتقدير لدولة الإمارات الشقيقة للخطوة الحضارية الراقية والمتقدمة التي اتخذتها ببناء كاتدرائية لإخوتنا الأقباط في أبو ظبي, والتي أثلجت صدر كل من له حد أدنى من المساس أو العلاقة بمسألة الإخاء والتسامح والتعددية والعيش المشترك في وطننا العربي, والتي جاءت في وقت ينفلت فيه العنف الديني والمذهبي والطائفي البغيض الغاشم من عقاله فتنسف وتحرق المساجد والكنائس والمراقد والمشاهد والحسينيات ومختلف الرموز العمرانية المقدسة بنوع من البربرية التي عز نظيرها, وأن تبنى بدلاً منها جدران الفصل المذهبي أمام أعين هذه الجحافل المغلوبة على أمرها ديناً ودنيا.‏

وأتوجه بالتهنئة للصديق المبجل قداسة البابا شنودة الذي يعتبر بحق من أشرف الرموز العربية التي عاشت وترعرعت في مناخات جدلية العروبة والإسلام والذي آثر استخدام خطاب إسلامي صريح في حديثه للإعلام بعد افتتاحه لتلك الكاتدرائية بادئاً كلامه بالآية الكريمة. (إن أكرمكم عند الله أتقاكم), ومؤكداً على أن (الدين هو المعاملة).‏

ولقد جاءت هذه المناسبة- الحدث في وقت يعاني فيه الصديق الدكتور عزمي بشارة من أشرس حملة إسرائيلية تشن ضده لتؤكد في الوقت ذاته على التلاحم الإسلامي- المسيحي في مقاومة المحتل الإسرائىلي البغيض ولتؤكد أيضاً على أصالة إخوتنا المسيحيين في الدفاع عن الأرض والوطن والمقدسات والعروبة والهوية.‏

لا أريد أن أكرر ما قلته مراراً حول أهمية واستثنائية الدور الوطني والقومي والحضاري والتنويري والنهضوي الذي لعبه إخوتنا المسيحيون في العالم العربي, في التاريخ الحديث والمعاصر تحديداً, لكنني أود التأكيد هذه المرة على أننا جميعاً مقصرون وبشكل مفجع في إلقاء الأضواء المكثفة بتأكيد هذه الحقيقة الساطعة الجلية وتعميمها كمسلمة غير قابلة للنقاش, فلو أننا قمنا بذلك حقاً لما تجرأ أحد على التشكيك بإخوتنا المسيحيين مهما بلغ به حجم التعصب والتشدد والظلامية والحماقة الذي يتصف به, ومن نافل القول ان إخوتنا المسيحيين في غنى عن أي شهادة تقدم من أي جهة, وعلى الأخص من قبل الذين يستخدمونها كنوع من الاستهلاك والمزاودة السياسية.‏

وإنه لأمر مخجل وصبياني و مشين أن يصل الأمر في هذه الأوقات العصيبة إلى حد أن يشطب بعض التقدميين المتفذلكين اسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية من نقاشاتهم السياسية بحجة أنهم لا يريدون إضاعة الوقت في الحديث عن دولة واقعة تحت حكم ثيوقراطي (ديني) وخاضعة لحكم الملالي (الشيوخ), ولو أنهم كلفوا أنفسهم شيئاً ضئىلاً من العناء لعرفوا أن الديمقراطية في إيران هي من أرقى ديمقراطيات المنطقة, وأن التعايش بين الأديان والمذاهب والإثنيات فيها هو من أرقى نماذج التعايش في العالم أجمع, ليس بحدود الديانات السماوىة الثلاث فقط بل إن الأمر يمتد ليشمل أموراً أبعد من ذلك بكثير, وعلى الأخص أن كل ذلك الطيف الواسع المتنوع ممثل في البرلمان.‏

في صبيحة يوم جمعة كنت أقف في شرفة غرفتي في الطابق السابع من فندق (آزادي) في شمالي طهران وإذ بي أسمع اصداء ناقوس يأتي من بعيد, كان الصوت عميقاً وشجياً وموحياً بالخشوع وتساءلت وقتها وأنا عضو مشارك في مؤتمر التقريب بين المذاهب الاسلامية كيف يتقبل الإيرانيون هذا الصوت المسيحي الرتيب المتواتر وهم في يوم عطلتهم الذي من أبرز مقوماته تحضيراتهم للمشاركة في صلاة الجمعة.‏

ولقد رأيت الصليب شاهقاً فوق إحدى الكنائس في مدينة مشهد وتساءلت هل يمكن أن يعلو صليب في أقدس مدينة في إيران, وكان الجواب أن ثمة ثلاث كنائس في تلك المدينة المقدسة.‏

والآن وبعد أن استطاعت إيران أن تأخذ ثأرنا من الجبروت والطغيان الأميركي الذي أمد الكيان الصهيوني بكافة أسباب الغزو والعدوان والتنكيل اعتقد أنه آن الأوان لهذه الحفنة من اليساريين أن تغير من فهمها ومفاهيمها في ما يخص الشأن الإيراني, ليس دفاعاً عن الاتحاد السوفييتي الذي انهار بل دفاعاً عما تبقى من شعارات تناهض الامبريالية التي فلقتنا بها والتي لم تكشف عن أي فعل استراتيجي أو تكتيكي تجاه مثل هذه المناهضة المزعومة.‏

ورغم أنه لم تعد لي أي علاقة شخصية بإيران منذ عدة سنوات لأسباب شخصية غير ذات بال, ورغم أنني اتهمت جوراً وظلماً بمحاربتي لإيران, لكن وضعنا الدولي والاقليمي يقتضي أن نقف إلى جانب ذلك البلد المناضل مهما بلغ حجم اختلافاتنا وتناقضاتنا معه, لأن ما يحدث وسيحدث يهمنا جميعاً, إذ ليس من المعقول أو المقبول أو المنطقي أو الاخلاقي أن نقف إلى جانب أميركا في الجحيم القادم الذي قد ينفجر بغتة في حرب مجرمة ضد إيران, مهما بلغ حجم التبرير والمكابرة والكفر الذي يمارسه عملاء أميركا في المنطقة.‏

رغم مختلف الاجواء المسمومة والملغومة التي يمر بها لبنان الشقيق, ورغم ارتسام علامات حرب أهلية في آفاقه بين فينة وأخرى, لكن احتمالات قيام حرب بين المسلمين والمسيحيين كما جرى في عام 1975 بات أمراً غير وارد على الاطلاق.‏

وهذا بحد ذاته شيء مطمئن, فالموضوع جرى فرزه في لبنان خارج الأديان والمذاهب والطوائف ليتركز حول الولاء للوطن أو الولاء لقوى أجنبية ما زالت وما برحت وما انفكت تدعم الكيان الصهيوني بشتى السبل لإذلالنا عرباً ومسلمين, وإن من أقذر وأبشع ما ارتكبه صبيان السياسة وغلمانها في لبنان هو الموازاة بين الحلف الأميركي الفرنسي الإسرائيلي وبين الحلف السوري الإيراني, الأمر الذي أسقط أوراق التين عن عوراتهم جميعاً.‏

ثمة نقطة لا يمكن القفز من فوقها إطلاقاً تتلخص بأن الرئيس جورج بوش لم يكن وليس بإمكانه الآن أو في المستقبل أن يستخدم مصطلح (الحروب الصليبية) لا إبان حملته العدوانية المسعورة ضد العرب والمسلمين بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ولا بعدها, لكن جرى نوع من التواطؤ العام لترجمة كلمة (crusade) التي استخدمها في خطابه المشؤوم قبل غزو افغانستان.‏

وتجنباً لأي دخول في متاهات لغوية اكتفي بما أورده معجم المورد حول هذه الكلمة الاشكالية حيث يطرح لها معنيين: الأول الحروب الصليبية, أما الثاني فهوحملة ضد مبدأ أو في سبيله وهذا ما عناه تحديداً جورج بوش.‏

وخلاصة القول ان كلمة (crusade) التي استخدمها جورج بوش في خطابه المشؤوم تعني حالة النفير العام ولا تعني الحروب الصليبية بأي حال من الأحوال, وكذلك هو الحال بالنسبة لمصطلح (سفر برلك).‏

الذي يعني هو أيضاً في التركية النفير العام الذي قام ضد القوات الانكليزية في حرب قناة السويس وآن لنا في ما أعتقد أن نعتمد مصطلح حروب الفرنجة بدلاً من مصطلح الحروب الصليبية.‏

غني عن البيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر إلى التحالف مع المسيحيين في جزيرة العرب حين طلب من الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف أن يصاهر قبيلة كلب المسيحية حيث كانت تلك المصاهرة أول مصاهرة تعقد بين قريش وقبيلة كلب المسيحية والتي أنجبت (أبوسلمة بن عبد الرحمن) أحد أبرز فقهاء المسلمين لتتابع بعدها المصاهرات على نطاق واسع بين قريش وبين قبيلة كلب, لكن أبرز المصاهرات بين المسلمين والمسيحيين كانت إنجاب الرسول (ص) ابنه إبراهيم الوحيد المعروف لنا تراثياً من ماريا القبطية, وعليه فإن إخوتنا المسيحيين ليسوا طارئين على المنطقة بل هم متأصلون متجذرون وشركاؤنا في السراء والضراء ولا يجوز اعتبارهم جاليات, ومن حقهم أن يبنوا الكنائس والكاتدرائيات في أرض العروبة التي تتسع لمختلف أشكال التنوع.‏

إن من واجب سورية التي باتت تشكل نقطة ارتكاز في المنطقة ألا تقف متفرجة أمام هذه القضايا وبما أنها تشكل إحدى أهم الحواضن والبواتق الحضارية والثقافية والمذهبية والطائفية فمن واجبها أن تعمق هذه المفاهيم وأن تجعلها مسلمات, وعلى الأخص أن دمشق ستكون عاصمة الثقافة العام القادم .‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي |  dalatione@hotmail.com | 29/04/2007 00:52

أمام الغرب وأمام المتأمركين منا أنا مع إيران قلبا وقالبا, وأمام الكاتب البليغ أنا لست معه فيما انتهى إليه فجعل تعميق مفاهيم التعايش السلمي بين الأديان واجبا على دمشق أن تفعله, إذ ماذا كانت تفعل سورية على مر الزمان إذن؟, بكل تأكيد تفردت سورية بهذا الأمر وسبقت العالم أجمع, وعلى العالم بدءا من أشقائنا العرب في وطننا العربي أن يقوموا هم بهذا الواجب, أما نحن في سورية فقد صار بفطرتنا.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 برهان بخاري
برهان بخاري

القراءات: 1414
القراءات: 1326
القراءات: 1771
القراءات: 3124
القراءات: 3201
القراءات: 2223
القراءات: 2017
القراءات: 1280
القراءات: 2312
القراءات: 1687
القراءات: 1688
القراءات: 1597
القراءات: 1469
القراءات: 1624
القراءات: 1331
القراءات: 1365
القراءات: 1573
القراءات: 1558
القراءات: 1610
القراءات: 1359
القراءات: 2459
القراءات: 1443
القراءات: 1353
القراءات: 1555
القراءات: 1848

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية