تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


النَص المفقود في حبكة جنيف..!!

الافتتاحية
الأحد 24-1-2016
بقلم رئيس التحرير: علي قاسم

لم تكتفِ واشنطن بتأجيج التصادم في القراءات المختلفة حول جنيف، سواء ما تعلق بموعده أم ما اقترن بالنتائج المتوخاة، وهي تجري انعطافاً حاداً يهدد بقلب الطاولة إذا ما عجز عن تدوير الزوايا حولها،

بحكم أن السياق الأميركي العام والمزاج الدولي المقابل له يميلان إلى التنافر أكثر مما هو نحو التقاطع في ظل سياسة قابلة للتأويل وحمّالة أوجه، أو تحتمل التفسير والتوضيح المزدوج.‏

فالافتراض بحتمية الانعقاد ليس هو ذاته حين يتعلق الأمر بالنتائج، فيما الواقع يحسم قراءته للتفاصيل على أنها مجردة من دلالاتها ما لم ترتبط بما سيؤول إليه اللقاء، حيث تلك التفاصيل الكبيرة والصغيرة منها تشي بحجم المفارقة في صياغة المشهد لتكون القراءة قادرة على فهم تداعيات ما يجري، خصوصاً في الساعات الأخيرة الماضية التي تفاعلت فيها دبلوماسية الهاتف الروسي حتى ذروتها لإنقاذ ما يمكن قبل إسدال الستار على المحاولة والعودة إلى المربع الأول.‏

لا شك في أن حبكة جنيف التي خلصت إليها تفاهمات فيينا بدت مُحكمة في الكثير من جوانبها، لكنها عانت على الدوام من نَص مفقود أو حلقة ضائعة لم تؤخذ بعين الاعتبار، حين سادت لهجة التفاؤل وأحياناً لغة الثقة بالخطوات القادمة، ولم يعد متاحاً ولا ممكناً بالأصل التشكيك بتدرجات المشهد، حيث بدت أغلب المعادلات الناشئة بعده والكثير من المعادلات التي تم ترتيبها وفق معطيات تلك التفاهمات تستبعد من إحداثياتها فرضية العراقيل أو العقبات الناشئة خصوصاً بعد أن وصلت رسالة التفاهم الروسي الأميركي بالبريد المضمون شرقاً وغرباً.. شمالاً وجنوباً.‏

لكن ما حصل لم يكن متوافقاً مع تلك النظرة التفاؤلية، وجاء جزء من النَص المفقود خارج التداول السياسي، بحكم أن ما أنجزه التفاهم الروسي الأميركي افترض إغلاق الكثير من الثغرات الفعلية ونقاط الضعف الموضوعية، لكن الرغبة الأميركية التي استعجلت تدوين التفاهم بلقاء نيويورك وعلى عجل، تعمدت بقاء ما هو مفقود.‏

أول ما كان مفقوداً بالأساس أنّ بعض المهمات الجوهرية وإن كانت بطابع لوجستي قد أوكلت لأطراف غير مؤهلة لتقوم بها، فكيف الحال وهي لاتخفي رغبتها بالتعطيل، وجاء الأخطر من ذلك أن تكون المهمة نَصاً مسحوباً من التفاهمات، بحيث يكون مضافاً بالتراضي ومن غير أن توثقه تلك التفاهمات.‏

فكانت الحصيلة وكالة مشوّهة لا تستطيع أن تنتج سوى ما هو مشوّه في الشكل والمضمون، وتناغمت مع فائض التسويف الأميركي الذي بردت حماسته وتهالكت رغبته في الحل إلى حدود التثاؤب، وهو يرى وكيله السعودي يضارب في سوق المبازرة على الإرهابيين، في وقت كان فيه الأردن يعاني حرج المهمة الموكلة، فضاع بين جدلية الافتراض الأميركي وواقعية الأداء الروسي، ليعلن عجزه عن تنفيذ ما تقتضيه.‏

النَص التائه الآخر أن تفاهمات فيينا اشترطت تحديد قائمة الوفد الموحد حتى قبل أن يكون هناك نيويورك، وعندما تم ترحيله في القرار الأممي بدت النوافذ مفتوحة أمام اجتهادات في العرقلة لم تنتهِ عند حدود متاهة التمثيل، بقدر ما عكست تناقض الحسابات والاعتبارات التي فجّرت في نهاية المطاف خلافا لم يقتصر على خروج أميركا على ما اتفق عليه، بل أضافت من قبل بايدن ما يهدد بنسف الجهد الدولي وإلغاء أبجدية البحث عن الحل السياسي، عندما لوّح بالحل العسكري، ولم تغير التوضيحات الأميركية من الهواجس التي أيقظها.‏

كان على حبكة جنيف أن تتعاطى مع الأمور بمسمياتها قبل أن تظهر بواطن ما فيها من ثغرات، إذ إن الداعم للإرهاب لا يمكن أن ينتج وفداً للحوار أو الحل السياسي، بقدر ما سينتج ما يشبهه أو يعوّل عليه ليكون ممثلاً لأجندات الإرهاب، ومن يدعم ويغض النظر عن تمويلهم وتجنيدهم ويرعى داعميهم لن يكون أقل تسويفاً وتعطيلاً منهم، بدليل أن زيارة كيري إلى السعودية كانت لتشدّ من أزرها، بحيث يضفي (الشرعية الأميركية)على ما فاض من الإناء السعودي، ولا يمكن أن ينضح إلا بما فيه.‏

وطالما أن هذا الجزء من النَص مفقود وخارج التداول ستبقى حبكة جنيف قاصرة ومتعثرة في تحضير طاولتها المتعددة الأبعاد أو ذات البُعد الواحد، وهذا ما يفيض عن حجم التكهنات المتداولة حتى الساعة بانتظار الدخان الأبيض الذي ينتظر إشارة الانطلاق من كلمات دي ميستورا المرجحة غداً بعد زيارته المرتقبة للسعودية اليوم، وإن كانت الترجيحات تقول أن الدخان الوحيد الرائج في السعودية هذه الأيام هو الدخان الأسود، الناتج عن الإرهاب المخيم والعابر، إلى أن تستعيد حبكة جنيف ما افتقدته من نَص، سواء كان ذلك بالتعمّد عن سبق إصرار أم بالتخاذل الأميركي عن سبق تفخيخ.‏

a.ka667@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 علي قاسم
علي قاسم

القراءات: 7072
القراءات: 987
القراءات: 1144
القراءات: 933
القراءات: 936
القراءات: 921
القراءات: 1046
القراءات: 886
القراءات: 822
القراءات: 917
القراءات: 969
القراءات: 857
القراءات: 793
القراءات: 847
القراءات: 1049
القراءات: 924
القراءات: 741
القراءات: 931
القراءات: 954
القراءات: 1015
القراءات: 971
القراءات: 844
القراءات: 1018
القراءات: 926
القراءات: 1054

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية