وكي لا أكون متحمساً او متوهماً او مبالغاً اكتفي بالاستشهاد بمقال د.عزمي بشارة الذي نشره في صحيفة الحياة قبل بضعة ايام او بمقالة الاعلامي الاشكالي المحنك روبرت فيسك تحت عنوان انهيار الامبراطورية الرومانية يدفع امريكا الى التقرب من ايران وسورية.
المقالات التي حملت عنوان (حتمية المجابهة واشكاليات المعارضة) كانت احدى المقاربات التي قمت بها لتناول وضعنا الداخلي بنوع من المكاشفة, ومع افول نجم الشريكين المتواطئين خدام - بيانوني وزلمتهما وليد بيك !!جنبلاط مدلل الاشتراكية الدولية الملغومة , ومع المحاولات الخجولة التي يقوم بها الغرب لانعاش المعارضة العميلة التي يحتضنها عبر زرقها بنوع من المنشطات او المسكنات لازماتها فإن الامر بات يقتضي بنوع من الضرورة او الالحاح مناقشة مسألة اشكالية المعارضة في الوطن.
بعد انحسار موجة التهديدات العسكرية المباشرة لسورية كما جاء على لسان وزير الحرب الجديد في البنتاغون فإن مسالة حتمية المجابهة واشكالية المعارضة باتت تتطلب حكما نوعا من المقاربة خارج مقولة التأسيس للاختلاف التي حاولت عبرها التأكيد على ضرورة وجود معارضة وطنية صلبة ومتماسكة قادرة على متابعة واحراج ومحاصرة السلطة التنفيذية بشكل مبرمج وتفصيلي موثق من اجل الدفاع عن المصالح العليا للوطن.
وحيث ان المعارضة هي عماد الديموقراطية في اي بلد يؤمن حقا بضرورة ممارسته لها فان من واجبنا جميعاً بلا استثناء ان نعمل على تأسيس المعارضة الوطنية الشريفة, ليس بغرض قطع الطريق على المعارضة العميلة في الغرب, سواء جاءت على ظهر دبابة امريكية او على ظهر حمار اعرج, بل لتحصين وطننا ودفع قيادته السياسية للتمادي الى ابعد الحدود في ممارسة دورها القومي الشريف الذي نذرت من اجله سورية, في هذه الاجواء المفعمة بالخيانة والعمالة والارتزاق والتبعية.
وبعيداً عن التنظير او التفلسف او التحدث باسم الاخرين اكتفي بعرض تجربتي الشخصية, فبعد مساهمتي بالعديد من العرائض توصلت الى ان الوطن هو اكبر بما لايقاس من بضعة نجوم سياسية متألقة, وان علينا ان نسعى الى خلق تيارات وطنية حقيقية, ان لم نقل احزاباً, يبرز فيها الوجه الوطني بشكل جلي.
وفي مايخص مسألة الديمقراطية فانني معارض شرس ضد اي فعل او اشارة او ملمح يجرح هذا الاقنوم المقدس, ولقد كتبت سلسلة مقالات حملت عناوين مثل.. الديموقراطية ورقعة الهوامش.. الديموقراطية والفعل الديموقراطي.. لابد من الديموقراطية وان طال السعي.
اما في مسالة الفساد والبيروقراطية والمحسوبية والتسلط فلا اعتقد ان شخصاً مايتمتع بالحد الادنى من الشرف و الوطنية والعزة والكرامة يقبل ان يكون متفرجاً او حيادياً تجاه استمرار مثل هذه الافات.
وانا في الوقت نفسه معارض عنيد للعقلية الدينية التي تضع المذهب او الطريقة او المشيخة قبل الدين, ومعارض للمناهج التعليمية التي تعامل التلاميذ والطلاب كأكياس فارغة تلقى فيها المعلومات البليدة والمهترئة ومعارض للنحو العربي المتخلف الذي جعل من لغتنا الراقية بعبعاً حقيقياً لابنائها ومعارض للاكاديمية العربية البائسة وللمجامع اللغوية التي مازالت تغط في سبات عميق.
وفي مايخص مسألة المحسوبيات الحزبية ووضع اناس في مواقع قيادية لدواع ايديولوجية فإنني اجد نفسي قطعاً في خانة اللاموالاة.
لكن في مايخص مواقف قيادتنا الوطنية والقومية فانني اكثر من موال او نصير او داعم, ويكفيني فخراً ان اكون مجرد طلقة في جناد هذه القيادة طالما انها تمارس هذا النهج الحر والممانع والداعم لقوى المقاومة والتحرر.
واذا كان المناضل الشريف احمد بن بيلا الرئيس السابق للجزائر البطلة, قد صرح بانه يتشرف بان يكون مقاوما عند المظفر حسن نصر الله وبأن الراحل جمال عبد الناصر كان يمكن ان يشاركه هذا الشعور لو كان حيا, فما الذي يمكن ان نقوله نحن تجاه هذه الملاحم وتجاه هذا الاخصاء الذاتي للشهامة والفروسية والمقاومة الذي يقوم به الاتباع من الاعراب والمتأسلمين?
وتبقى اشكالية المعارضة محصورة في مواقفنا كمعارضين اشداء او لاموالين او اشد الداعمين والمناصرين.ويبقى الاهاب التاريخي لسورية هو الحاكم بامره, وهو الذي فرض ويفرض الايتجرأ اي نظام مارس الحكم فيها ان يخرج عن مساراته, فما من رئيس جمهورية في سورية زار امريكا التي تحولت الى محج ومزار للاتباع من الاعراب والمتأسلمين ولن تستطيع اي قوة في الارض ان تعزل سورية لكن اتباع امريكا هم المعزولون وسيثبت الشارع العربي والاسلامي ذلك في وقت اقرب من قريب.
ومع انه لاتجوز المقارنة تحت اي ظرف من الظروف بين سورية وكوبا لكن ثمة عبرة لابد من الاتعاظ بها فكوبا التي تعرضت لاقصى حصار عرفته البشرية و الذي دام نصف قرن كامل من الزمان وهي تمثل شوكة مؤلمة في خاصرة اعتى قوة في العالم استطاعت اخيراً ان تفجر مجموعة من الثورات في امريكا اللاتينية ضد الامبراطورية الرومانية المتداعية, وستبقى سورية في العزلة المزعومة نبراساً لهذه الامة العربية التي ان لها ان تستفيق من سباتها, وسيبقى الاحرار احراراً والاتباع اتباعاً طالما ان الشمس تشرق معلنة ولادة يوم جديد.