مراكش أفاقت أمس ولا بد أن تستكمل اليوم أيضاً استيقاظها على ما تبقى من الوجوه الكالحة، التي استوطنت في فنادقها وجلست في قاعاتها، بعد أن اعتادت في الماضي القريب والبعيد على احتضان تاريخ مغاير ومختلف.
كان موجعاً للسوريين أن تنضمّ مراكش إلى لائحة الأماكن والمدن التي تصطفّ اليوم على القائمة التي تستضيف أعداء سورية، رغم أنها في وجدان السوريين كانت ولا تزال تحتفظ بما منّ به عليها التاريخ من حكايات وأمجاد.
وكان مؤلماً أن تكون مراكش ساطوراً آخر يجزّ عنق الحقيقة ويُلوي ذراع المنطق، وكان مفجعاً أن تتحوّل هي الأخرى إلى بوق جديد يستجدي من قاعاتها وساحات فنادقها العدوان، ويستقوي برموز الاستعمار ومحترفيه الجدد ممّن أذاق مراكش قبل غيرها طعوم المرارة، وأن تحتفي بالمهرولين من الأعراب والأغراب من أجل أن يبقى الدم السوري يراق لحساب الإسرائيلي وعتاة داعميه.
لن يعدل في الكفة أن تنضمّ مدينة جديدة إلى القائمة، ولا أن تكون منبراً إضافياً لقصف سياسي، وممرا لعدوان آخر، ومنصة لأصوات غارقة في حقدها وضغينتها على سورية والسوريين، فقد أضافت إلى اللائحة اسماً آخر، ومكانا آخر وفنادق وقاعات، لكنها سجّلت في تاريخها وفي دفاتر يومياتها أنها تلاقت مع الإسرائيلي، وتقاطعت مع ما يريده الفرنسي والبريطاني والأميركي، وتلوّنت كما تلوّنت من قبلها مشيخات الخليج في التآمر، واصطفت مع أحفاد العثمانية برؤوسها الحامية ووطيسها الملوّث.
لم نكن نريد لمراكش باسمها وناسها وكل الأمكنة التي تحرّك الذاكرة، أن تلوّث تلك اليوميات ولا أن تسطر في دفاترها صفحات سوداء من الحقد ومن التآمر على السوريين، ولا أن تسمع تلك الأصوات المغتاظة والحاقدة وهي تنفث سمومها في الهواء المراكشي.
لا نشكّ بأننا في زمن الأحجيات غير المسبوق، وفي لحظة غارقة بغيّها في التاريخ، ومتخمة بأحمال المفارقات الصعبة على مفارق الزمن الغادر بين ما سبق وما هو قادم على أجنحة التسابق العربي الغائر من أجل أن يعتدي على العربي، وأن يحرّض عليه وأن يحاصره في لقمة عيشه، وأن يعوّض على العدو ما خسره في جولاته السابقة، أن يكون بديله فيما عجز هذا العدو عن تحقيقه، وفشل في تمريره.
سمعت مراكش تلك الأصوات المبحوحة وهي تدافع عن الإرهاب، وهي تتغنى بداعميه ورعاته ومموليه وحاضنيه، وأنصتت لعتاة القتل والخراب وهي تتكلم عن الديمقراطية والحرية، ولمست نفاقهما ونفاق قادتها، وهي المدينة التي شرّدت أزقتها حريات العرش وطقوس الولاء لأوليائه صغاراً وكباراً.
مراكش حين تسجّل اسمها في لائحة الذين جمعوا أعداء سورية والسوريين تكون قد طوت الكثير من صفحاتها التي كانت تعتزّ بها وتؤمن بوجودها في سياقها العربي، وفي جوارها وامتدادها التاريخي.
نجزم أن مراكش لم يكن بمقدورها أن تفهم الكثير من المفردات، ولم يكن بمقدور شعبها الطيب أن يتفاهم مع الكثير من الوجوه التي جالت في شوارعها، وهي الغريبة عنها في وجهها ويدها ولسانها، كما أنها لم تطّلع على كل ما دار في كواليس فنادقها ولا في القاعات المغلقة من جلسات تآمر على السوريين، وحين يكشف التاريخ يوماً نجزم بأنها لن تقبل رغم فوات الأوان كما هو الحال العربي في كل زمان.
a.ka667@yahoo.com